العدد 1487 /17-11-2021

لا أعرف على وجه الدقّة والحقيقة من الذي أخذ قرار رفع الدعم عن الأدوية المزمنة وغير المزمنة. هل هو مصرف لبنان؟ هل هي وزارة المال؟ أم وزارة الصحّة؟ أم الحكومة مجتمعة وهي لم تجتمع؟ أم وزارة الاقتصاد وهو ليس من اختصاصها؟ أم هي الطبقة السياسية الحاكمة والمتحكّمة والتي لم يعد يخيفها شيء وباتت مستعدّة لأخذ أي قرار مهما كان خطيراً وكبيراً وصعباً وقاتلاً بحق اللبنانيين طالما أنّ الناس لا يعنيها شيء ولا تتحرّك من أجل صحتها وحياتها ومستقبل أبنائها ألخ ..

لا فرق ولا همّ في معرفة من أخذ قرار رفع الدعم، المهمّ أنّ أسعار الأدوية في السوق اللبنانية باتت تحلّق في الفضاء. بات أقل دواء يقارب سعره المئة ألف ليرة. بمعنى آخر أكثر من 13% من الحدّ الأدنى للأجور المعمول بها إلى هذه اللحظة. وأنّ بعض الأدوية الأخرى خاصة تلك المزمنة باتت أسعارها تفوق الحدّ الأدنى للأجور. والسؤال: كيف لهذا اللبناني أن يعيش؟ كيف له أن يستمر؟ كيف له أن يشعر بالكرامة التي يحدّثوننا عنها؟ كيف له أن يصمد أمام هول هذه الكارثة أو المؤامرة أو بشكل أوضح وأكثر صراحة الجريمة التي ارتكبت وتُرتكب بحقّه؟!

إنّ الجريمة الأولى التي ارتكبت بحقّ اللبنانيين كانت عندما تمّ حجز أموال المودعين في المصارف، وبعد ذلك أُجبر أصحابها على سحبها بالتقنين وبأقل من قيمتها الحقيقية، خاصة أولئك الذين كانوا يودعون أموالهم في المصارف بالعملة الأجنبية. هؤلاء يخسرون مع كل عملية سحب مقنّنة أكثر من 75% من قيمة ودائعهم. والسؤال كيف مثلاً لهؤلاء أن يتمكّنوا من شراء الأدوية المفقودة أو الباهظة الثمن وهم لا يملكون نقودهم التي سُرقت منهم؟! هذا طبعاً بالنسبة لهذه الشريحة، فما بالكم بالشريحة الأكثر فقراً التي لا تجد اليوم لا عملاً ولا طعاماً ولا فرصة حقيقية للحياة. هؤلاء كيف سيجدون ثمن دواء لأبنائهم أن آبائهم أو أمهاتهم وقد فاق سعره في الصيدليات كل ما يمكن أن يحصّلوه من أموال يكسبونها بتعبهم وعرق جبينهم من أعمال قد يجدونها خلال الشهر!!

أمّا الجريمة الثانية فهي أن يتمّ رفع الدعم عن الدواء، هذه الحاجة الضرورية التي لا يمكن الاستغناء عنها بأيّ شكل من الأشكال. هذه الحاجة التي تعني أنّ التوقف عن أخذها بالنسبة للمرضى الذين هم بحاجة إلى علاج تعني الحكم عليهم بالموت. من يستطيع أن يتحمّل هذه المسؤولية؟! من يجرؤ على فعل ذلك إلاّ المجرم المحترف؟! إذاً نحن أمام جريمة حقيقية وأصحابها محترفون يقتلون المرضى والفقراء والمعوزين والطبقات المسحوقة بدم بارد ودون أن ترف لهم جفن. هؤلاء ألا يستحقّون الحساب والعقاب؟! ألا يستحقون المحاسبة؟! أليست هذه جريمة ومن فعلها مجرم ويستحق العقاب والحساب ومن المفروض الإدعاء عليهم أمام القضاء الداخلي والخارجي وحيثما يتيح القانون والشريعة ذلك؟! أمّ أنّ اللبناني سيقبل هذا القرار ويغض الطرف عن هذه الجريمة الأخرى، وسيتعايش معها ويقبل أن يعيش بقية حياته بحثاً عن حبّة دواء لا يمكنه شراؤها أو الحصول عليها إلاّ من خلال التسوّل التزلّف لتلك الطبقة التي كانت صاحبة القرار بسحقه وتحويله إلى معدم لا قيمة لحياته وبقائه؟!

إنّ مثل هذه القرارات التي تُتخذ في مكان عند تلك الطبقة الحاكمة والمتحكّمة تعني واحدة من اثنتين: تعني الدفع بالناس إلى الفوضى والمجهول وبالتالي الحرب التي تدمّر البلد وتسمح لناهبيه بالهروب والتخلّص من العقاب والحساب. أو تعني دفع الناس إلى الفرار والهروب من جحيم هذا البلد عبر الهجرة الفوضوية أو المنظمة التي تجعل البلد فارغاً من الطاقات والقامات والعقول وحتى الناس العاديين، وعندها تصبح الظروف متاحة لهم لمزيد من القضم والسرقة والتحكّم بالبلد وثرواته وخيراته.

ولكن أما آن للبناني أن يدرك خلاصه! أما آن له أن يخرج من حالة التقوقع التي حبسه فيها أولئك الذين يتاجرون بالبلد وبأبنائه؟! وأمّا عن كيفية الخروج فذاك حديث آخر.

د. وائل نجم