أخيراً.. انقضى يوم الأحد السادس من أيار بسلام، على الرغم من الانكفاء الشعبي عن المشاركة في هذه الانتخابات. فاللبنانيون ينتظرون هذا اليوم منذ سنوات، والانتخابات الحرة تكاد تكون منعدمة في المحيط العربي، ومع هذا لم يتجاوز عدد المقترعين في دائرة بيروت الأولى 34٪، كما أن عمليات اقتراع المغتربين اللبنانيين في ديار اغترابهم لم تؤخذ على محمل الجد، ولم تعلن وزارة الداخلية (حتى كتابة هذه السطور) نسبة المقترعين وعددهم في أي من أقطار الاغتراب.
لا أريد التوقف عند الطعون التي تقدم بها عدد كبير من المرشحين، فذلك مالا وزن له بعد أن أجاب وزير الداخلية (نهاد المشنوق) على ما كان يطرحه المرشحون أو الإعلاميون والمراقبون. ويمكن الحكم بأن النتائج التي جرى الإعلان عنها باتت نهائية، وأن على المرشحين الذين فازوا أن يحمدوا الله، أما الذين لم يتحقق لهم الفوز فليس عليهم إلا أن يتابعوا أداءهم (السياسي والشعبي) مدة أربع سنوات جديدة، وربما أكثر إذا لجأ المجلس الحالي لأسلوب التمديد أو التجديد كما فعل المجلس السابق. لكن الأهم من كل ذلك الآن يتركز على قضايا واستحقاقات أهمها: تشكيل الحكومة القادمة التي يفترض أن تكون «حكومة العهد»، والبيان الوزاري لهذه الحكومة، والإعداد لاعتماد قانون جديد للانتخابات يتجاوز الثغرات التي اشتكى منها الكثيرون في القانون الحالي المعمول به.
لم تحمل الانتخابات نتائج تحمل تحوّلات جذرية، لا على المستوى السياسي أو الإداري، لكن الجميع يدركون أن المرحلة التي سبقت اجراء الانتخابات، والتي أعقبت انتخاب رئيس جديد للجمهورية بعد تمديد طويل ومتكرر للمجلس النيابي المنتهية ولايته، وبعد الفراغ الطويل في موقع الرئاسة الأولى، وأن التسوية التي تولاها الرئيس سعد الحريري حملت معها بصمات، يطلق عليها البعض اسم «تنازلات» تلافياً للفراغ الدستوري الذي كان سائداً في غياب رئيس للجمهورية، وأن المعادلة التي حكمت الساحة السياسية اللبنانية لا يمكن أن تستمر. وإذا كان الرئيس سعد الحريري يفاخر بتقديم هذه التسويات أو التنازلات، فإن شارعه السياسي يستشعر الكثير من المرارة نتيجة ضياع حقوقه أو التفريط بها. وعلى الرغم من أن النشاط الانتخابي الذي قام به الرئيس الحريري جهد غير مسبوق في الحياة السياسية اللبنانية، لا سيما جولاته في المناطق المحرومة في عكار والضنّية وقرى الجنوب والبقاع، إلا أن ذلك لم يحمل الناخبين في هذه المناطق على الاقبال على صناديق الاقتراع أو صب أصواتهم للوائح الرئيس الحريري كما كان متوقعاً. وبدلاً من أن يزيد عدد نواب كتلة تيار المستقبل فإن عددها تقلص، أو تراجع ولاؤه لرئيس تيار المستقبل. وهذا ما ينبغي أن يقف عنده الرئيس الحريري في أدائه السياسي.
وعلى الرغم من أن الكتلة النيابية لتيار المستقبل ما تزال في طليعة القوى السياسية، فإن في الساحة اللبنانية تيارات أخرى تركز دون كلل على «الرئيس القوي» و«التكتل القوي»، و«ما منقبل حدن يلغينا»، مع أن أحداً لم يحاول أو يخطر في باله إلغاء هؤلاء.. اضافة الى أن قانون الانتخاب النسبي تميّز بتحالف صلب أطلق عليه اسم «الثنائي الشيعي» الذي تميز بتحالف سياسي عميق الجذور وليس مجرد تحالف انتخابي، فضلاً عن القدرات البشرية والعسكرية والمالية التي يتمتع بها هذا التحالف.
إذن، لن تكون عملية اجراء المشاورات لتشكيل الحكومة أمراً سهلاً، خاصة أن هناك من يطالب بوزارات سيادية معينة كشرط للمشاركة بالحكومة القادمة.. فضلاً عن الدور الذي يمارسه رئيس الجمهورية، سواء بامتلاكه أكبر كتلة برلمانية أو بحرصه على أن يكون «الرئيس القوي». ويعرف الجميع أن النظام اللبناني ديمقراطي وليس رئاسياً، ومن يراجع الدستور  دستور الطائف) يجد أنه حدد صلاحيات رئيس الجمهورية، وأنه إذا شارك باجتماع مجلس الوزراء يترأس الجلسة، دون أن يكون له حق التصويت. ويذكر اللبنانيون المبنى الذي أقيم في منطقة المتحف في بيروت ليكون مقراً لاجتماعات مجلس الوزراء، إلى أن تولى الرئيس الراحل رفيق الحريري ترميم مبنى السراي الكبير ليكون مقراً للحكومة وداراً لاجتماعات مجلس الوزراء.. بينما تحوّل القصر الجمهوري اليوم في بعبدا الى مكان ثابت لجلسات مجلس الوزراء، برئاسة رئيس الجمهورية، إلا إذا كان جدول أعمال المجلس بسيطاً، أو كان الرئيس مريضاً أو غائباً، فيتولى رئيس الحكومة ترؤس الجلسة في السراي الكبير. فهل سيكون من الممكن تصويب هذا الموضوع، خاصة بعد أن بات القصر الجمهوري يغصّ بالمستشارين وجلّهم من أنسباء وأقرباء رئيس الجمهورية.
القضية ذات الأهمية التي سوف يتوقف عندها مجلس الوزراء هي البيان الوزاري، فقد جرى الاتفاق على تسوية بشأن سلاح المقاومة عند تشكيل الحكومة الحالية، التي تتحول الى مجرد حكومة تصريف أعمال ريثما يتم اجراء مشاورات لتسمية رئيس مجلس الوزراء أو تشكيل الحكومة ونيلها ثقة المجلس النيابي، فهناك تكتل نيابي واسع، على رأسه «التحالف الشيعي» سوف يصر على الثلاثي الذهبي: (الجيش والشعب والمقاومة)، بينما يصر تكتل نيابي واسع على ضرورة الاتفاق على «استراتيجية دفاعية» شبيهة بميثاق بعبدا، الذي يركز على دور الحكومة اللبنانية والجيش اللبناني في اتخاذ القرار الاستراتيجي المتعلق بالأمن والحدود وامتلاك السلاح على الأراضي اللبنانية، سواء في الجنوب أو في بقية المناطق اللبنانية.
إذن، لن تكون مهمات المجلس النيابي القادم سهلة المنال، خاصة أن المنطقة العربية والإقليمية حول لبنان تضج بالأحداث والتحولات، ولعل القرار الأمريكي بالخروج من الاتفاق النووي مع إيران، والموقف العربي الذي تجلى بوقوف كل من السعودية والبحرين والإمارات الى جانب قرار الرئيس ترامب، ووقوف دول عربية أخرى في الاتجاه المعاكس.. وذلك ما سوف ينعكس على الساحة اللبنانية بين مؤيد ومعارض.. فاللهم ألهمنا السداد والرشاد.