وائل نجم

 وأخيراً تمخّضت اللقاءات والاتصالات الثنائية والثلاثية والرباعية والخماسية بعيداً عن مجلس الوزراء، فولدت قانوناً انتخابياً يعتمد النظام النسبي مع تقسيم لبنان إلى خمس عشرة دائرة انتخابية تخدم بالدرجة الأولى أصحاب السلطة، أو بعضهم، حيث فصلت عن مناطق أخرى وهي ملاصقة جغرافياً، وجمعت مناطق مع مناطق أخرى مع أنها بعيدة عنها ومنفصلة جغرافياً. وكذلك لم يكن هناك توازن بين الدوائر الانتخابية، وبالتالي بين الناخبين والنواب، فهناك دوائر انتخابية ستتمثل بأكثر من عشرة نواب، في حين أن هناك دوائر انتخابية ستتمثل بستة مقاعد نيابية. والأمر نفسه بالنسبة إلى الناخبين. فهناك دوائر ستضم مئات ألوف الناخبين، في حين أن هناك دوائر ستضم ما دون المئة ألف ناخب. هي إذاً استنسابية جرى اعتمادها خدمة لموازين القوى القائمة، وخدمة للكتل والقوى السياسية التي تتحكم بالمشهد الانتخابي. ولكن على الرغم من كل ذلك، فإن إقرار القانون، وإجراء الانتخابات وفقاً له، أفضل بكثير من التمديد للمجلس الحالي كما جرى أكثر من مرة؛ أو من الفراغ وهو يتهدد الكيان اللبناني عموماً؛ أو حتى إجراء الانتخابات وفقاً للقانون النافذ المعروف بقانون «الستين».
أما وقد تم الاتفاق على القانون، وجرى تقسيم لبنان إلى خمس عشرة دائرة انتخابية، واعتماد المعيار النسبي في الفوز والخسارة، والصوت التفضيلي على مستوى القضاء، فإن ذلك يعتبر فرصة للشعب اللبناني من أجل إحداث التغيير المنشود، الذي يتطلع إليه كل اللبنانيين بعدما سئموا وملّوا من الأزمات، ومن فشل السلطة السياسية من أيجاد الحلول لتلك الأزمات. فالنتائج هذه المرة لن تتحكم بها المحادل التي تعوّدنا عليها كلبنانيين منذ أول انتخابات نيابية بعد الحرب الأهلية المشؤومة، بل سيكون هناك فرصة لأي كتلة سياسية أن تتمثل في المجلس النيابي إذا كانت تحوز ثقة معيّنة من أعداد الناخبين، وهو ما يعرف في عالم  الانتخابات بـ«العتبة الانتخابية»، وبالطبع فإن عدم حسم نتائج الانتخابات بصوت واحد لمصلحة لائحة كاملة يفتح الباب أما منافسة قوية بين الكتل والقوى السياسية لأن الفرصة ستكون قائمة للتمثّل في المجلس النيابي، إلا أن ذلك يعيد خلط التحالفات الانتخابية بين القوى السياسية، وبما لا يعني طبعاً الاطاحة في مكان ما بالتحالفات السياسية.
فاعتماد النسبية يخوّل أي لائحة تحظى بثقة نسبة معينة من الناخبين التمثل في المجلس النيابي، وهذا بالطبع يكون على حساب الأطراف السياسية التي عهدناها تخوض الاستحقاق النيابي على قائمة واحدة، وهي اليوم ستكون مضطرة لخوض الاستحقاق بشكل منفرد أو مستقل عن بعضها، لأن اصطفافها في لائحة واحدة وإن نالت نسبة كبيرة من الأصوات، إلا أنه يخوّل اللوائح المنافسة، وبغض النظر عن حجمها، التمثّل في المجلس النيابي، لذا فإن هذه الكتل والقوى ستجد من مصلحتها خوض الاستحقاق النيابي في لوائح منفصلة ومستقلة لأن من شأن ذلك تقليص فرصة اللوائح المنافسة، والتي تمثّل توجهاً سياسياً مختلفاً من التمثّل في الندوة النيابية.
وإذا انتقلنا من الفرضية إلى عملية إسقاط على القواع، سنجد مثلاً أن من مصلحة التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية خوض الانتخابات بشكل منصل ومستقل شكلاً، وإن تم الاتفاق على الحصص والمقاعد ومناطق المنافسة ضمناً، لأن اصطفاف الحزبين في لائحة واحدة سيعطي فرصة للمنافسين من الاحزاب الأخرى والمستقلين الذين قد يشكلون لائحة منافسة، وبالتالي فإن ما يمكن أن تحصده هذه اللائحة من نسبة تصويت سيجعلها تتمثل بموازاته على مستوى المقاعد، وهذا بالطبع يكون على حساب اللائحة الأولى مثلاً، وهو أيضاً ما يدفع نحو صراع بين اللائحة الواحدة على ترتيب الاسماء، أو حتى على الصوت التفضيلي.
وإذا انتقلنا إلى ساحة أخرى، فإننا مثلاً سنجد أن تيار المستقبل في الساحة الاسلامية سيعمل على إلحاق قوى سياسية به حتى تكون جزءاً من الاصوات التي تؤهله للوصول بأكبر عدد من النواب إلى البرلمان، في حين أن القوى المنافسة لن يكون من مصلحتها الدخول في مثل هذا التحالف، لأن ذلك يكون على حسابها، بل من مصلحتها المنافسة لأن ذلك يعطي فرصة للتمثّل، وهنا من شبه المؤكد أن طرابلس مثلاً ستشهد معركة ليست سهلة على أي من الأطراف، إذ ليس من مصلحة أحد الدخول في لائحة تحت جناح طرف آخر.
ولا يختلف الأمر في الساحة الشيعية التي تميّزت خلال العقود الأخيرة بخوض الانتخابات بتحالف واحد يجمع حزب الله وحركة أمل في لائحة واحدة. هذه المرة سيكون من مصلحة الطرفين خوض المعركة الانتخابية بشكل مستقل، وإن كان التنسيق والتفاهم سيكون حاكماً لكلا الطرفين على المقاعد والدوائر وكل التفاصيل الأخرى، وذلك حتى لا يعطوا فرصة للمنافسين في هذه الساحة من التمثل بشكل مقبول يسقط الثنائية التي تحتكر كل شيء، ويفتح الباب داخل هذا النسيج إلى تجدد الحياة السياسية بطريقة مختلفة.
هي إذاً التحالفات هذه المرة ستكون مختلفة في الشكل، وإن كانت في جوهرها ستكون صورة أخرى عن التحالفات التي تحكم البلد منذ مطلع تسعينات القرن الماضي.}