وائل نجم

أخلى القاضي رياض أبو غيدا منتصف الأسبوع الجاري سبيل الممثل المسرحي، زياد عيتاني، وأوقف في المقابل المقدم في قوى الأمن الداخلي، سوزان الحاج، وذلك على خلفية ما بات يُعرف بالملف المفبرك لـ«عيتاني».
لا شكّ في أن هذه «الفضيحة»، إذا صحّ التعبير، في فبركة الملفات للمواطنين على خلفية الخلافات السياسية أو الشخصية أو ما سوى ذلك، كشفت حجم التدخلات والظلم الذي لحق ويلحق بالكثير من الموقوفين أو السجناء أو حتى المحكومين، وأكدت بلسان حال القضاء، هذه المرّة، أن الكثير من الموقوفين في السجون قد يكونون ضحية ملفات فبركها نافذون، أو أصحاب مصالح، أو خصوم سياسيون أو غير سياسيين، وهؤلاء قد يدفعون ثمن هذه الملفات المفبركة من حياتهم، ومن مستقبلهم، ويتحوّلون ربما في بعض الأحيان إلى «مجرمين» أو «متطرفين» أو «إرهابيين» حقيقيين يعيثون فساداً وفوضى وتخريباً في المجتمع عند أول فرصة قد تسمح لهم بذلك، انتقاماً من المجتمع الذي لم ينصفهم، وثأراً لأنفسهم وما لحق بهم من أذى، وخاصة أن السجون في لبنان، كما تشير وتكشف التقارير الحقوقية المحلية والدولية، ليست معاهد ومراكز يجري فيها تأهيل المحكوم أو المسجون أو الموقوف، بل على العكس من ذلك تماماً تكاد تكون مصانع لإنتاج «عبوات بشرية» تشكل خطراً حقيقياً على المجتمع وأمنه في أية لحظة. ومن هذا المنطلق يمكن القول إن الأحكام التي يجب أن تصدر بحق أولئك المفبركين، وحتى الذين يقفون خلفهم، يجب أن تكون مضاعفة وكبيرة، ولا تقلّ عن أي حكم كان يمكن أن يصدر، أو ربما صدر، بحق أي موقوف ظلماً وتجنّياً. لأن أولئك المفبركين، لم يؤذوا الذي أصابته فبركتهم فقط، بل ألحقوا الأذى بالمحيط الذي ينتمي إليه، وبالمجمتع الذي سيكون في أية لحظة هدفاً لانتقامه وثأره، ومن هنا فإن القضاء، وقد أخذ هذه الخطوة الجريئة والشجاعة، عليه أن يكمل من خلال إنزال العقوبات اللازمة بحق المفترين والمفبركين الذين يلحقون الأذى بغيرهم، ويعرّضون أمن المجتمع للمخاطر الكبرى.
وفي سياق الحديث عن هذه الخطوة الجريئة والشجاعة للقضاء والأجهزة الأمنية، فإن ذلك يقودنا إلى الحديث عن ضرورة إنصاف مئات الموقوفين، ولا سيما أولئك الذين أُوقفوا على الشبهات، أو بناءً على معلومات قاصرة وناقصة، أو على خلفية موقف سياسي أو تغريدة على مواقع التواصل الاجتماعي، أو بناء على وشاية من مخبر هنا أو جهاز هناك، أو على خلفيات ثأرية وشخصية لبعض النافذين. إن هؤلاء يتطلعون اليوم إلى القضاء كي ينصفهم، ويردّ إليهم الاعتبار، ويردّ الثقة بالدولة وقضائها إلى نفوسهم، وإلى محيطهم، وذلك من خلال إعادة فتح هذه الملفات بنحو جدّي وحقيقي، والإطلاع على حيثيات التوقيف، لأن ليس هناك أحكام بحق الكثيرين منهم، ومن ثمّ إخلاء سبيل من لا تثبت إدانته بشيء، ومحاكمة من تثبت إدانته بأية جريمة وفق القوانين المرعية الإجراء، حتى ولو كان الحكم يصل إلى الإعدام، وأكاد أجزم بأن أهالي هؤلاء الموقوفين سيكونون ممتنين للدولة وللقضاء على خطوة كهذه، حتى لو كانت الأحكام التي يمكن أن تصدر وفق الأدلة والبيّنات تدين أبناءهم، وأكاد أجزم أيضاً بأن هؤلاء سيعيدون وقتها ثقتهم بالدولة والقضاء، والتزامهم كل ما يصدر عنه.
اليوم ردّ القضاء في الخطوة التي أعاد فيها فتح ملف توقيف الممثل المسرحي، زياد عيتاني، ومن ثم قرار إخلاء سبيله وتوقيف الذين سببوا توقيفه هذه المدة، ردّ القضاء في هذه الخطوة الاعتبار لنفسه، وبدأ يستعيد بعضاً من ثقة شريحة واسعة من المواطنين كانت إلى الأمس القريب تعبّر بأكثر من طريقة وشكل عن عدم رضاها عن أداء القضاء، وعدم ثقتها الكاملة به، أو دعني أقول بجزء منه.
اليوم القضاء بهذه الخطوة الشجاعة والجريئة بثّ الأمل مجدداً في نفوس اللبنانيين، وجعلهم يشعرون بأنهم، نعم، قد يكونون محميين بالقوانين. ولكن القضاء أيضاً وضع نفسه اليوم أمام تحدٍّ آخر، خاصة أمام الاعتصامات والفعاليات المتتالية التي يقوم بها أهالي الموقوفين الإسلاميين من أجل العفو عن أبنائهم، القضاء اليوم أمام تحدّي إنصاف هؤلاء، ليس من خلال العفو العام الشامل عنهم، بل من خلال إعادة النظر بملفاتهم، والبدء بمحاكمتهم، وتنفيذ القوانين المرعيّة الإجراء بحقهم، إمّا براءةً وإما إدانة واضحة مستندة إلى دلائل حسّية وبراهين قاطعة.}