العدد 1513 /25-5-2022

جرت الانتخابات النيابية في موعدها الدستوري وحملت مفاجآت بعضها لم يكن متوقعاً وتمخّضت عن فائزين وخاسرين توزّعوا على المكوّنات السياسية والطائفية، ولعلّ أبرز نتائج هذه الانتخابات أنّ أيّ طرف لم يفز بالأكثرية المطلقة التي تخوّله تكوين السلطة من جديد وتشكيل الحكومة، بل كل الأطراف بحاجة إلى نوع من التفاهمات والتحالفات وإلاّ فإنّ المراوحة وتواصل الأزمة ستظلّ طاغية على المشهد، أو فالحلّ يمكن أن يكون بالذهاب إلى انتخابات جديدة مبكرة، أو انزلاق البلد نحو الفوضى والفراغ والمجهول. ولكن بعيداً عن البحث في أفق المرحلة المقبلة، أو استشرافاً لبعض معالمها لنرى أبرز الفائزين والخاسرين في هذا الاستحقاق.

أول وأبرز الفائزين في هذا الاستحقاق النيابي هو حزب القوات اللبنانية الذي رفع عدد نواب كتلته وبات أكبر كتلة مسيحية في المجلس الجديد، وإن كان قد مني بخسارة جزئية في معقله الأساسي في بشرّي حيث خُرقت لائحة القوات بمقعد نيابي فاز به وليم طوق.

إلى القوات فالفائز الآخر هو رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الذي حافظ على كتلته النيابية، بل ربما زادها (بانتظار اكتمال التحالفات) وتمكّن من التخلّص من منافسيه على الساحة الدرزية طلال أرسلان ووئام وهاب.

الفائز الثالث بالانتخابات هو اللواء أشرف ريفي الذي ردّ اعتباره في العام 2018 فتمكّن من الفوز بمقعد نيابي في طرابلس وهو يحاول تكريس نفسه زعامة سُنّية ووطنية أيضاً.

الفائز الذي لم يشارك بالانتخابات هو الرئيس سعد الحريري الذي أثبت من خلال تراجع نسبة المشاركة السُنيّة في أغلب المناطق ذات الكثافة السُنّية باستثناء دائرة بيروت الثانية، أثبت أنّه ما زال المرجع الأقوى سنّياً على الرغم من محاولات إبعاده أو إقصائه.

وإذا ما كان الاعتبار في ميزان الفوز والخسارة هو الحفاظ على أحجام الكتلة النيابية فإنّ كلاّ من حزب الله وحركة أمل فازاً أيضاً في هذه الانتخابات إذ أنّ كلّاً منهما حافظ على حجم كتلته النيابية وعلى دورها، وإن كان الحزب وأمل خسرا على صعيد الفريق السياسي الواسع الذي يتشكّل من مجموعة قوى سياسية عديدة كانت تتمتّع بالأغلبية في المجلس السابق.

كما وأنّ من الفائزين في هذا الاستحقاق شخصيات مستقلة وأـخرى منضوية في إطار ما يُعرف بـ "المجتمع المدني" أو قوى التغيير، وهؤلاء شغلوا بشكل أساسي مقاعد كان يشغلها نواب تيار المستقبل الذي علّق العمل السياسي، ومقاعد النواب الذين خسروا.

أمّا أبرز الخاسرين في هذا الاستحقاق فيأتي التيار الوطني الحر الذي تراجع تمثيله النيابي وإن ظلّ في طليعة الكتل النيابية عدداً. غير أنّ التيار لم يعد بإمكانه القول إنّه الكتلة الأكبر مسيحياً.

كما وأنّ من الخاسرين الشخصيات المقرّبة والمحسوبة في علاقتها على النظام السوري وهنا نتحدث عن طلال أرسلان رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني، ووئام وهّاب رئيس حزب التوحيد العربي، وفيصل كرامي رئيس تيار الكرامة، وأسعد حردان رئيس الحزب القومي السوري الاجتماعي، وإيلي الفرزلي نائب رئيس المجلس النيابي السابق، وغيرهم وهؤلاء خسروا مقاعدهم النيابية وتمثيلهم بغض النظر عن كل الروايات التي نُسجت وقيلت عن ذلك.

أمّا بالنسبة للتيار الإسلامي الذي شارك في هذا الاستحقاق فإنّ تصنيفه بين الخاسرين أو الفائزين ليس مسألة سهلة، فهو لم يكن لديه تمثيل نيابي في البرلمان السابق، وقد حقّق فوزاً في مقعد واحد في البرلمان الحالي في وقت رشّح ابتداءً تسعة مرشحين ثم سحب منهم أربعة وواصل خمسة مرشحين السباق الانتخابي ليفوز منهم مرشح واحد. ولذلك لا يمكن تصنيف هذا التيار بين الخاسرين أو الفائزين، غير أنّه يُسجّل أنّه لم يتمكّن من إقناع الناخب السُنّي تحديداً بأطروحاته لأخذ الثقة عليها وهو ما فتح الباب أمام المرشحين الآخرين أو القوى الأخرى للفوز بثقة الناخب السُنّي، وهذا يحتاج من هذا التيار إلى مراجعة وتقييم وقراءة أخرى مختلفة لمزاج الشارع السُنّي.

إلاّ أنّ الأمر الأكثر أهمية أنّ هذا التيار يملك الآن علاقات طيبة وجيدة مع الأطراف التي يتشكّل منها المجلس النيابي، ويحظى بثقة أغلبها، وهذا ما يمكن أنّ يؤهّله لأداء دور كبير على المستوى الوطني في المرحلة المقبلة وفي ظل ندرة القيادات السُنّية التي يمكن أن تشكّل نقطة تقاطع وجمع بين كافة الأطراف، ومن هنا يمكن أن يكون هناك فرصة ليكون الطريق مفتوحاً إلى السراي الحكومي أمام هذا التيار لكن ذلك يحتاج إلى حكمة بالتعاطي وعدم التموضع في أيّ جانب من فريقي الانقسام من ناحية وإلى وزن الموقف بميزان الذرّة وليس الذهب فحسب.

د. وائل نجم