العدد 1357 / 10-4-2019
الدكتور وائل نجم

بات واضحاً أن المعركة الانتخابية التي ستجري يوم الأحد (14 نيسان 2019) في دائرة طرابلس الصغرى (المدينة) لملء المقعد السنّي الذي شغر بعد قرار المجلس الدستوري إبطال نيابة ديما جمالي، بات واضحاً أن النتيجة تكاد تكون محسومة سلفاً تقريباً إلى المرشحة جمالي، ويعود ذلك إلى اتفاق أغلب قوى المدينة فيما بينها على الوقوف خلف مرشحة تيار المستقبل، ديما جمالي، والعمل في هذه الفترة لتحويل هذا التحدّي في المدينة بين قواها السياسية الأساسية إلى فرصة لجمع ولم شمل الساحة الاسلامية، خاصة في هذه المرحلة التي يستشعر فيها الجميع أن استهداف دور هذه الساحة على المستوى الوطني ليس خافياً، وبالتالي فإن الاستمرار في المواجهات الجانبية، يفقد هذه الساحة زخمها وقوتها وحضورها، وهذا ما يتهدد الجميع، ومن هنا جاء الاتفاق على دعم جمالي من قبل تيار المستقبل، والرئيس نجيب ميقاتي، والجماعة الإسلامية، والوزير أشرف ريفي، والوزير محمد الصفدي، وتكاد تكون هذه القوى والشخصيات هي الأساس في طرابلس. في مقابل برودة من قبل الأطراف المنافسة، لا سيما تيار الكرامة الذي يرأسه النائب فيصل كرامي. وعلى هذا الأساس يمكن القول إن المعركة الحقيقية يوم الأحد المقبل هي معركة دفع الناخبين للمشاركة في الاستحقاق ورفع نسب التصويت، وعدم الاستخفاف بهذا الاستحقاق.

لقد استطاعت قوى وشخصيات مدينة طرابلس الأساسية تحويل هذا التحدّي، الذي ربما أراده البعض معركة مفتوحة بين أقطابها، إلى فرصة حقيقية لمّت شمل المدينة، وجمعت قواها، ولو مرحلياً في هذا الاستحقاق. وهذا شيء طيّب لطالما انتظره أبناء الساحة الإسلامية وتمنّوا على الدوام حصوله. بل أكثر من ذلك كان هاجساً عند الكثيرين عملوا خلال الفترة السابقة على التخلّص منه، وتخليص الساحة الاسلامية منه أيضاً حتى لا تظل واقعة تحت هاجس الإحباط. ومن هنا يطرح البعض، في الساحة الإسلامية، سؤالاً مشروعاً ومشرّعاً على مختلف الإجابات، لماذا لا يظل هذا التفاهم قائماً؟ لماذا لا يتحوّل إلى قاعدة أساسية في عملية التنسيق والتعاون والتكامل بين أركان الساحة الاسلامية وهي التي تواجه التحدّيات التي لم تعد خافية على أحد؟ لماذا لا يصار إلى استيعاب بقية أطراف هذه الساحة في مشروع تكاملي يحفظ دور المكوّن الإسلامي على الصعيد الوطني؟

الجميع في الساحة الإسلامية اليوم بدأ يشعر بحالة الاستهداف التي تريد النيل من هذا المكوّن ومن صلاحياته ودوره الوطني، وهذا برز خلال فترة إقرار قانون الانتخاب، وقبله خلال انتخاب رئيس الجمهورية، وتجلّى أكثر وضوحاً خلال فترة تشكيل الحكومة , حيث حاول كل طرف سياسي ينتمي إلى مكوّن وطني تكريس أنواع جديدة من الأعراف الدستورية على حساب المواقع التي تعني الساحة الإسلامية. هذا فضلاً عن محاولات الإساءة إلى المواقع التي تمثل هذه الساحة، أو مصادرة دورها تحت حجج واهية لا قيمة دستورية لها.

الجميع في الساحة الإسلامية، حتى أولئك الذين يقفون عند الطرف الآخر في الممارسة السياسية , يتولّد لديهم هذا الشعور بالغبن، ويلمسون محاولات الاستحواذ التي يحاول حلفاؤهم فرضها بأشكال متعددة، وربما هم يعيشون معاناة أكبر من تلك التي يشعر بها ويعانيها غيرهم لاعتبارات كثيرة.

اليوم هذا الاستحقاق (التحدّي) الذي تمّ تحويله إلى فرصة على مستوى المدينة جمعت ولمّت شمل الساحة الإسلامية يجب أن يتحوّل إلى نقطة انطلاق نحو جمع شمل كل هذه الساحة على المستوى الوطني العام في إطار من التفاهم والتكامل وحتى توزيع الأدوار إذا اقتضى الأمر ذلك. ولعلّ المرجعية الدينية وما تمثّله من رمزيه تحظى بثقة الجميع، عليها مسؤولية كبيرة في التحرك نحو تحويل هذه الفرصة إلى نقطة تحوّل في علاقات المكوّن الاسلامي في البلد. وكذلك الأمر بالنسبة للمرجعية السياسية وهي التي امتلكت القدرة في لحظة من اللحظات على استيعاب المخالفين والآخرين تحت عنوان الإنقاذ الوطني من خلال مبادرات كثيرة طيلة الأعوام الماضية، فلماذا لا تبادر أيضاً إلى طرح مبادرة استيعاب تأخذ بالاعتبار الأطراف الأخرى في ساحتنا الإسلامية لتحصينها في مواجهة التحدّيات، خاصة أنها باتت، للأسف، متروكة ولا تشعر بأي عمق عربي طالما مثّل لها مصدر قوة وظهيراً حاضراً!

ساحتنا الإسلامية شعرت خلال هذا الاستحقاق، وبعد الاتفاق ولمّ الشمل بنوع من الثقة بالنفس، فلا تعودوا إلى إحباطها من جديد , وهي التي تتطلع دائماً إلى منقذ يضع حداً لحالة النزف المستمر.

د. وائل نجم