العدد 1557 /5-4-2023
د. وائل نجم

تحرّك خلال الأيام الماضية من جديد ملف انتخاب رئيس جديد للجمهورية في ضوء الأزمة المتفاقمة التي تعصف بالبلد والتي كان آخرها أزمة التوقيت التي كشفت حجم الهوّة والفجوة التي باتت تفصل بين اللبنانيين، فضلاً عن تحذيرات صدرت عن مؤسسات وقوى دولية من أنّ استمرار الوضع على ما هو عليه سيجعل البلد ينهار تدريجياً ولكن بسرعة أكبر من التي تجري حالياً.

خلال الأيام الماضية عادت فرنسا وحرّكت المياه الراكدة في هذا الملف عندما وجّهت الدعوة للمرشح للرئاسة سليمان فرنجية من أجل زيارة باريس للتشاور والبحث عن مخارج، ومن أجل النقاش في الضمانات التي يمكن أن يقدّمها فرنجية لبعض الدول التي تريد ضمانات من أجل توفير دعمها للاقتصاد اللبناني المتهالك والباحث عن حلّ وداعم. وفي طليعة هذه الدولة السعودية ومعها معظم دول الخليج. وبالفعل زار فرنجية باريس والتقى المسؤولين الفرنسيين، ولكن لا يبدو أن الزيارة استطاعت أن تقدّم ضمانات جدّية وحقيقية تمهّد الطريق أمام فرنجية للوصول إلى بعبدا.

بموازاة ذلك وصل وفد قطري رفيع المستوى إلى بيروت للتشاور مع المسؤولين اللبنانيين وللوقوف على رأيهم من بعض الاقتراحات التي تمّ التداول بها خلال الفترة السابقة، ويبدو أيضاً أنّ الوفد القطري حمل وساطة تهدف إلى تذليل العقبات وتسهيل الطريق وتعبيدها أمام انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وقطر لها باع في هذا المجال في فترات سابقة تولّت فيها الوساطة في مثل هذه الملفات وقد نجحت بها.

ولكن وبحسب ما تمّ تداوله عن اللقاءات التي أجراها الوفد القطري والتي شملت أغلب الأطراف الفاعلة والمؤثّرة بالاستحقاق الرئاسي، فإنّه كان مستمعاً أكثر مما كان حاملاً لأفكار معيّنة وجديدة، فضلاً عن اقتراح أسماء أو أي شي من هذا القبيل. غير أنّ ما تسرّب أيضاً مما بين سطور اللقاءات وأحاديثها فإنّ النقاش كان ينصبّ ويتركز على الضمانات التي تطالب لها دول الخليج بشكل أساسي لإعادة ضخ أموالها ودعمها للبنان في المرحلة المقبلة. بمعنى آخر فإنّ الوفد القطري كان يحمل بشكل غير مباشر مضمون المبادرة التي حملها في وقت سابق من العام الماضي الموفد الكويتي الذي جاء إلى لبنان من أجل إعادة تطبيع العلاقة بين لبنان ودول الخليج وتضمّنت في حينه أكثر من عشرة بنود على لبنان أو العهد الجديد الالتزام بها.

مهمّة الوفد القطري ليس إيجاد حلّ للأزمة الرئاسية اللبنانية ولكن المساعدة على تقريب وجهات النظر بين القوى اللبنانية خاصة وأنّ قطر ترتبط بعلاقات جيدّة مع أغلب القوى السياسية اللبنانية، وأيضاً لها علاقة جيدّة مع القوى الإقليمية والدولية الفاعلة والمؤثّرة بالمشهد اللبناني، وبالتالي فإنّها تملك القدرة على مخاطبة كلا الفريقين بأريحية تامة، ولكنّها لا تملك القدرة على فرض الحلول على اللبنانين ولا على داعميهم الإقليميين والدوليين، وبالتالي فإنّ مهمّة الوساطة القطرية تقف عند حدود تقريب وجهات النظر وهذا ما تحاول قطر أن تفعله.

في مقابل ذلك فإنّ حلّ الأزمة يحتاج إلى مبادرة من القوى الداخلية اللبنانية لتسهيل الوصول إلى انتخاب رئيس أولاً، وتسهيل الشروع ف حلّ الأزمة ثانياً. لأنّ انتخاب الرئيس دون تأمين دعم خارجي للبنان لا يعني الحلّ إنما يعني الدخول في أزمة جديدة قد تكون أكثر خطراً وتحدّياً للبنانيين.

لا يبدو أنّ لقاءات الوفد القطري وجدت الآذان صاغية في لبنان، ولم تلمس نوايا جدّية عند الأطراف للشروع بالحلّ، وعليه فإنّ الظروف والمناخات المحلية والإقليمية والدولية يبدو أنّها ما زالت غير مؤاتية بالتالي فإنّ الأزمة مستمرة، واللبنانيون يدفعون الأثمان بانتظار تحرّرهم من استغلالهم من الأطراف التي تستغلهم لمصالحها الخاصة.

د. وائل نجم