العدد 1409 / 15-4-2020

د. وائل نجم

ما استمرار الاجراءات الوقائية المتخذّة في ظل حالة التعبئة العامة، وفي ظل الحالة الاقتصادية والحياتية الصعبة للمواطنين الذين لا يجدون قوت يومهم، وفي ظل خروج الصرخة المعبّرة عن المعاناة والأزمة الخانقة، ارتأت "حكومة مواجهة التحدّيات" أن تواجه هذا التحدّي الجديد القديم بإقرار تقديم مساعدة مالية بقيمة أربعمئة ألف ليرة لبنانية للعائلات الأكثر حاجة في لبنان، من دون أن تضع آليات تنفيذية وضوابط واضحة لتحديد هذه العائلات التي ستستفيد من هذا المبلغ المتواضع الذي باتت قيمته الشرائية لا تساوي الكثير مع انخفاض سعر صرف الليرة اللبنانية في مقابل العملات الأجنبية لا سيّما الدولار الأمريكي. كما وأنّ القرار الحكومي لم يكن واضحاً لناحية إذا ما كان هذا القرار لمرّة واحدة فقط أم أنّه سيكون دورياً مع مطلع كل شهر، فضلاً عن أنّها لم تكشف عن عد العائلات ولا المبلغ ولا حتى المصدر الذي سيتأمن منه.

ليس مهمّا كل هذه التفاصيل، المهمّ في هذا الأمر أنّ العائلات الأكثر حاجة في لبنان ستجد ما يسد عوزها وحاجتها ولو لأيام معدودة. هكذا استبشرت خيراً تلك العائلات، إلاّ أنّ حسابات الحقل بالنسبة لها لم تكن مطابقة مع حسابات البيدر. فالتدقيق في اللوائح التي كان من المفترض أن تعتمد كشف فضيحة من العيار الثقيل جداً. كشف أنّ منطق المحاصصة والاستنسابية والزبائنية ما زال هو المهيمن، وأنّ الحديث عن شفافية واستقلالية ونزاهة ليس سوى كذبة كبيرة.

فقد كشف التدقيق في اللوائح التي كانت ستعتمد للتوزيع أنها ضمّت أسماء لمغتربين، وموظفين في القطاعات العسكرية والأمنية، ومتقاعدين من القطاع العام، وأموات، وموظفين في وظائف مرموقة، وما سوى ذلك من تلك الفضائح التي استدعت تدخلاً من الجيش للتدقيق بها من جديد ووضع حد لهذه المهزلة من الاستهتار بحياة ومصير ومستقبل الناس، ومن هذه السياسة الزبائنية التي يجري فيها تنفيع أصحاب الولاءات على حساب أصحاب الحاجات.

مرّة جديدة يضطر رئيس الحكومة للاعتراف أمام الرأي العام أنّ منطق المحاصصة ما زال قائماً، ومنطق الاستنسابية ما زال هو المعمول به، وأنّ القوى العميقة في الدولة ما زالت تفرض إرادتها وانها صاحبة القرار الأول والأخير. كما ظهر من خلال تلك الاعترافات، على شجاعة صاحبها، أنّ الحكومة ليست سوى واجهة لتلك القوى التي ما تزال تعمل من أجل احتكار كل شيء لها ولزبائنها، وحرمان الآخرين ممن يعارضها أو ينتقد أداءها من أية حقوق واجبة.

مرّة جديدة نكتشف أنّ الفرصة التي أعطيت للحكومة من أجل القيام بالانقاذ تنفد يوماً بعد يوم من دون أن تثبت هذه الحكومة أنّها مستقلة في حركتها وسياستها، سيّدة في قرارها، غير مرتهنة لقوى داخلية أو خارجية كما أردها المنتفضون في السابع عشر من تشرين الأول من العام الماضي. ونكتشف أيضاً أنّ الاستمرار في منح هذه الفرصة نوع من العبث وخسران المستقبل.

آن الأوان كي يدرك الجميع أن نجاح الحكومة في الإجراءات الصحيّة الوقائية نسبياً لا يمكن أن يعطي الحكومة بطاقة عبور إلى رسم كل سياسة البلد مالياً واقتصادياً واجتماعياً وما سوى ذلك، إلاّ إذا تمّ إلغاء منطق ومبدأ المحاصصة والاستنسابية والزبائنية وأثبتت الحكومة فعلاً أنّها مستقلة عن مصالح القوى الحزبية والسياسية، ومنحازة بشكل لا لبس فيه إلى مصالح اللبنانيين، وهذا غير ممكن وغير متاح مع حكومة تشكّلت أساساً وفقاً لمنطق المحاصصة بين القوى السياسية وقد تابعنا خلال الأيام والأسابيع الأخيرة كيف لوّحت قوى سياسية بالانسحاب من الحكومة، بل إسقاطها، فكيف لفاقد الشيء أن يعطيه؟