المحكمة الدولية ومرافعات الإدعاء

الحكم الذي بات لا يحتاج إلى دليل

في يوم الحادي عشر من أيلول عقدت المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه أولى الجلسات المخصصة للمرافعات، و قدّم وكلاء الإدعاء في الجريمة مرافعاتهم، وتحدثوا بالتفصيل عن سير تنفيذ الجريمة التي أودت بحياة الرئيس الشهيد رفيق الحريري في العام 2005 وعشرات الشهداء معه، وأكد وكلاء الإدعاء أن كل القرائن التي قدّموها للمحكمة تؤكد بالدليل القاطع، حسب وصفهم، ضلوع عناصر من حزب الله في تنفيذ الجريمة، وأن المدبر لعملية الإغتيال هو المدعو مصطفى بدر الدين، وهو أحد قيادات حزب الله الذين قتلوا في سورية في وقت سابق، وأن بقية المتهمين هم عناصر تنفيذية في العملية. كما أشار وكلاء الإدعاء إلى أن النظام السوري له علاقة بعمليّة الإغتيال وهو ضالع في مكان ما بها.

والحقيقة أن كل ما ساقه وكلاء الإدعاء من قرائن ودلائل لم يأت بأي جديد, فكل المعلومات أو ما قُدّم على أنه قرائن جرمية، جرى سابقاً وقبل سنوات الحديث عنها وفيها، وبالتالي لم يكن هناك أي جديد يثبت بشكل قطعي ما حصل في يوم الخامس من شباط 2005، وبالتالي فإن اللبنانيين لم يلتفتوا كثيراً إلى هذا المعطى، ولم يتأثروا به بعدما كان أي خبر يتصل بالمحكمة وما يمكن أن تكشفه يهزّ البلد، وينذر بخروج الأمور عن مناطق السيطرة.

على كل حال , المحكمة ستقول كلمتها بعد أشهر، بعد أن تستمتع إلى بقية المرافعات، ويبدو أن الحكم بات معروفاً للجميع، وهو سيثبّت التّهمة على المتهمين الذين وردت أسماؤهم في مرافعات الإدعاء. المهم أن مفاعيل هذا الحكم على الداخل اللبناني، والخشية من انهيار الاستقرار، ودخول البلد في حالة من الفوضى والصراع، يبدو أنها باتت من الماضي، حتى أن الرئيس سعد الحريري أشار إلى أنه باعتباره ولي الدم، ليس هاوٍ للثأر، ولكن يريد الحقيقة والعدالة.

ربما سيكتفي اللبنانيون، أو من من يثق منهم بالمحكمة، بالحقيقة هذه المرّة، نظراً لعدم توفّر الإمكانات لتحقيق العدالة، وبانتظار أن يأتي الزمن الذي تتأمن فيه العدالة، سيظل المحكومون طلقاء، أو ربما "شهداء" حتى تحين اللحظة التي ينتصب فيها قوس العدالة للاقتصاص من القتلة المجرمين.

الحكم الأهم من إقامة العدالة على المحكومين، هو أن هذه المحكمة بما قدّمته، وبما ستقدّمه من قرائن، ومن أحكام، إذا أقنعت بها اللبنانيين، والعرب، والعالم، ستكون بذلك قد حكمت على قيمٍ لطالما ظل البعض يعتبرها الرافعة التي قامت عليها مؤسساته وبناؤه، وكشفت منظومة الأخلاق "المزيّفة" التي كان هذا البعض يتخبىء خلفها، وهدمتها، والحقيقة أن ذلك ليس أمراً سهلاً أو بسيطاً على أولئك الذين لطالما أردوا أن يطعنوا بالمحكمة وأحكامها.

لبنان اليوم لن يتأثر كثيراً بأجواء الأحكام التي ستصدر عن المحكمة الدولية، فهذا رئيس الحكومة المكلف، سعد الحريري، يؤكد الفصل بين مساعيه لتشكيل الحكومة وضمّ حزب الله إليها، وبين أحكام المحكمة التي قد تطالب بتسليم عناصر من الحزب، وهذا يعني أن المسارات في هذا الموضوع منفصلة عن بعضها ولن يتأثر لبنان بأي أحكام قد تصدر عن المحكمة، إلا إذا رأى من يمتلك القدرة على قلب الموازين أن من مصلحته اتخاذ ذلك ذريعة لاستكمال ما يجري الحديث عنه من زمن طويل.

وائل نجم