العدد 1425 / 19-8-2020

د. وائل نجم

وأخيراً وبعد أكثر من خمسة عشر عاماً على جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وبعد أكثر من عشر سنوات على تأسيس المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، وبعد مئات أو آلاف من الساعات والوثائق وتحليل البيانات، وفي ظل غياب أي متهم وعدم مثوله أمام هيئة المحكمة، أصدرت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان حكمها القابل للاستئناف بإدانة أحد المتهمين الأربعة الذين وجّهت لهم هيئة الاتهام تهمة الاشتراك بارتكاب جريمة اغتيال رفيق الحريري، ولم تتهم الثلاثة الآخرين لعدم كفاية الأدلة، وقد استندت المحكمة في حكمها بشكل أساسي على تحليل الاتصالات الهاتفية ومقارنتها زمانياً ومكانياً وصولاً إلى هذا الحكم.

ردّة الفعل الأولى على الحكم الصادر عن المحكمة جاءت من ولي الدم، ونجل الرئيس رفيق الحريري، سعد الحريري الذي تابع حيثيات إصدار الحكم في لاهاي، وأعلن قبول الحكم، واعتبر أن الجريمة خلفيتها سياسية كما أشارت المحكمة، كما أعلن القبول بهذا الحكم داعياً حزب الله إلى القبول به، خاصة أنّ المحكمة بحسب الحريري، أكّدت على مصداقيتها من خلال تبرئة الآخرين وعدم إدانتهم، كما دعاسعد الحريري حزب الله إلى التضحية. غير أنّ موقف حزب الله معروف منذ اللحظة الأولى لتشكيل المحكمة إذ اعتبرها إسرائيلية وأمريكية وقامت لخدمت هذين الطرفين، ورفض طيلة الفترة السابقة التعاون معها بأي شكل من الأشكال، وهو الأمر المتوقع بالنسبة للتعاون مع الحكم الصادر عنها. بمعنى آخر لا يُنتظر من حزب الله أن يقوم بتسليم سليم عيّاش المحكوم بقرار المحكمة الدولية بجريمة اغتيال الحريري من دون تحديد العقوبة بعد. كما وأنّ الشارع اللبناني الذي انتظر حكم المحكمة، سواء من الذين كانوا يؤيدونها أم من الذين كانوا لا يثقون بها قد استغربوا الحكم، بل إنّ بعضهم ربما صُدم به.

فعلى مقلب الذين كانوا يبدون كل حماسة للمحكمة الدولية أصيب هؤلاء بصدمة كبيرة وإحباط كبير جراء الحكم الذي صدر عنها، لأنّهم ببساطة كانوا ينتظرون أن تخرج المحكمة وتعلن إدانة حزب الله والنظام السوري، مع أنّ ذلك ليس من اختصاصها. وسبب صدمة هؤلاء أنّهم على مدى سنوات كانوا عرضة لشحن إعلامي متواصل يوقد فيهم نزعة الثأر استناداً لموقف سياسي وتحليل وجداني، وكانوا مع هذا الشحن على قناعة تامة أنّ الحكم سيكون أقصى مما يتوقعون، وهذا ولّد فيهم نوعاً من الاحباط و"الكفر" بالمجتمع الدولي وبكل الآمال التي يمكن أن تُعلّق عليه، وقد جرى التعبير عن ذلك في مواقع التواصل الاجتماعي بشكل ساخر وبأكثر من طريقة وأسلوب.

وفي المقابل فإنّ الجهة التي كانت تعلن عدم ثقتها بالمحكمة الدولية فوجئت أيضاً وإن لم تُصدم بالحكم الصادر. فهؤلاء وطيلة الفترة السابقة التي كانوا فيها أيضاً عرضة للشحن والتشكيك بالمحكمة الدولية والقرار الدولي اكتشفوا مع الحكم أنّ المحكمة عملت بشكل مهني ولم تذهب إلى إطلاق الأحكام بشكل عشوائي أو دون أدلة وبراهين، وقدأبقت الباب مفتوحاً أمام هيئة الدفاع لاستئناف الحكم الذي أدان واحد من أربعة متهمين. هؤلاء وعلى الرغم من الحكم الذي جاء خلافاً لتوقعهم، لأنّهم كانوا يتوقعون أنّ يكون مختلفاً ومسيّساً فإذا به يأتي على هذه الهيئة والشكل، فإنّهم لن يغيّروا نظرتهم للمحكمة ولن يثقوا بها ولا بكل ما يصدر عنها.اليوم وبعد هذا الحكم، وبغض النظر عمّا تضمّنه، فإنّ اللبنانيين معنيون بمراجعة كل حساباتهم ومواقفهم خلال الفترة السابقة وعدم بناء الأحكام المسبقة، والعمل الجاد للإلتفات إلى مصالح بلدهم قبل كل شيء آخر.