تصاعد النقاش والجدل الذي تصحّ تسميته بـ«البيزنطي» على قانون الانتخاب بين القوى السياسية والكتل النيابية، وهو ما أدّى إلى مزيد من التباعد في مواقف هذه الكتل من القانون المنتظر. وكلما ضاق الوقت أمام الاستحقاق الانتخابي النيابي لجهة المهل القانونية والدستورية التي حدّدت مواعيد دعوة الهيئات الناخبة، وحدّدت أيضاً موعد الانتخابات وغيرها من الأمور المتصلة بالاستحقاق، كلما ازداد المشهد تعقيداً وتأزّماً، حتى أن رئيس الجمهورية لوّح بالفراغ في السلطة التشريعة إذا لم يُصَر إلى إقرار قانون جديد، لأنه يرفض التمديد للمجلس الحالي من جهة، ويرفض إجراء الانتخابات على أساس القانون النافذ من جهة أخرى، وهو ما يعني أن البلاد تدخل عهد الفراغ على مستوى السلطة التشريعية.
 إلا أن الشيء اللافت في موضوع القانون الانتخابي هو تخلّي الحكومة عن مسؤوليتها لجهة التقدّم بمشروع قانون جديد وعصري يلبي تطلعات اللبنانيين للانتخابات النيابية، مع العلم أن حكومة الرئيس نجيب ميقاتي تقدّمت إلى المجلس النيابي في حينها بمشروع قانون يعتمد النسبيّة ويقسّم لبنان إلى ثلاث عشرة دائرة انتخابية، وترك هذا الموضوع المهم إلى كتل نيابية مشاركة بالحكومة، وقوى سياسية كبرى تقوم بهذا الدور والواجب من ضمن ما سُمّي اللجنة الرباعية التي ضمّت أحزاب: التيار الوطني الحر، المستقبل، حركة أمل، وحزب الله.. وأعطيت شبه غطاء رسمي عندما عقدت بعض اجتماعاتها في القصر الجمهوري بموافقة رئيس الجمهورية.
قد يكون من حق أية قوى سياسية أن تجتمع مع بعضها وتناقش ما تريد من قوانين انتخاب أو غيره من الأمور، وليس لأحد أن يعترض على ذلك، فالدستور اللبناني كفل الحق للجميع بمثل هذه الأنشطة، أما أن تحظى مثل هذه اللقاءات التي تناقش أمراً عاماً كقانون الانتخاب بشبه مظلة رسمية، فذاك شيء آخر، وأن يتم تجاوز الحكومة وتجاهلها في إنجاز مثل هذا القانون، فتلك قضية أخرى أيضاً. ومن هنا فإن اللقاءات الثنائية أو الثلاثية أو الرباعية لا تغني عن دور الحكومة وواجبها، بل هي ضرب لمنطق المؤسسات، وحتى لدور الشركاء في هذه الحكومة، وبالتالي فهي محاولة استئثار واحتكار لهذه المناقشات، ومن ثم تتحوّل إلى عملية فرض على باقي الأطراف في الحكومة أو حتى في المجلس النيابي، لتصوّر يكون من صناعة هذه اللقاءات، وهو بالتأكيد تصوّر يكون قد أخذ في الاعتبار مصالح هذه القوى التي انتجته وليس مصالح المواطنين أو الوطن، ومن حق أي طرف سياسي أن يرفض أو يشكك بهذه اللقاءات، والقوى التي تشارك فيها ،متجاهلة دور الحكومة وواجبها في التقدّم بمشروع قانون إلى المجلس النيابي للانتخابات النيابية.
إذا،ً المسؤولية الأساسية إذا أرادت الحكومة والعهد والمجلس النيابي والقوى السياسية تغيير قانون الانتخاب تقع بالدرجة الأولى على عاتق الحكومة ابتداءً وعلى المجلس النيابي ثانياً. الأولى لجهة إرسال مشروع قانون للانتخابات إلى المجلس النيابي، وهو ما لم يحصل بعد. وبالتالي فالحكومة التي جاءت على أساس أنها حكومة إجراء الانتخابات مسؤولة بالدرجة الأساسية عن إرسال مثل هذه الصيغة المقترحة، لكننا لا نرى أن الحكومة تتحرك بهذا الاتجاه، وبالتالي فإذا أردنا أن نتحدث عن ذلك بحسن نيّة فنقول إن هذا تقصير من الحكومة يجب محاسبتها عليه، وإذا ذهبنا في الحديث عن ذلك بسوء الظن فنقول إنها عملية تواطؤ من الحكومة على المواطنين من خلال «تلزيم» هذه أقضية التي دار الخلاف عليها طويلاً إلى جهات حزبية نافذة، وتجاهل باقي المكوّنات، وحتى المواطنين. إن الواجب يقضي بأن يفتح النقاش في مجلس الوزراء في قانون الانتخاب، وأن يصار إلى تقدّم الحكومة بمشروع قانون إلى المجلس النيابي، سواء من خلال اتفاقها عليه، أو من خلال التصويت داخل الحكومة على المشاريع التي يمكن أن تطرح على طاولتها، والذهاب بعد ذلك إلى المجلس النيابي بمشروع يكون قد أقرته الحكومة بإحدى الصيغ.
أمّا المجلس النيابي فهو مطالب بعقد جلسات تشريع ومناقشة مشاريع واقتراحات القوانين الانتخابية الواردة إليه، والتصويت على هذه المشاريع والاقتراحات وليكن القانون الذي يحظى بثقة المجلس هو القانون الذي تجري الانتخابات على أساسه، وهذا أبسط قواعد العمل الديمقراطي، وبذلك ينتهي الجدل «البيزنطي» على قوانين الانتخاب، ويجري الاحتكام إلى المؤسسات التي ينادي الجميع بها، فإذا بهم يأكلونها ويتجاوزونها عند أول منعطف إذا تعارض دورها مع مصالحهم.
يبقى أمر لا بدّ من لفت النظر إليه، وهو أن الفراغ في السلطة التشريعية تحت عنوان رفض التمديد للمجلس النيابي أو رفض إجراء الانتخابات وفق القانون النافذ، يهدد مجمل النظام السياسي، ويفتح الباب مجدداً للحديث عن مؤتمر تأسيسي يعيد إنتاج هذا النظام، وقد يكون المدخل إلى هذا الموضوع سهلاً، أما الخروج منه فقد لا تكون خسائره محسوبة.