العدد 1359 / 24-4-2019

د. وائل نجم

منذ وصوله إلى البيت الأبيض في واشنطن، وتحقيقاً لوعوده الانتخابية، عمد الرئيس الأميريكي دونالد ترامب، إلى إلغاء الاتفاق النووي مع إيران، وإلى فرض المزيد من العقوبات التصاعدية عليها، وإلى وضع العديد من المؤسسات والشخصيات الإيرانية على لائحة الإرهاب الأمريكية، وقد كان آخرها الحرس الثوري الإيراني، وقد يكون من بينها خلال الأيام أو الأسابيع المقبلة المصرف المركزي الإيراني أيضاً. كما عمد الرئيس ترمب إلى إجراءات مماثلة وعقوبات مشابهة بحق أحزاب وقوى وشخصيات ومؤسسات أخرى في المنطقة، حليفة لإيران، أو مرتبطة بها ارتباطاً وثيقاً، ومن بين هذه القوى حزب الله في لبنان حيث اتخذت إدارة ترمب العديد من الإجراءات بحق الحزب وأشخاصه ومؤسساته، وفرضت عقوبات طاولت أشخاصاً في بعض الأحيان ليسوا على صلة بالحزب، وهي وكما تصرّح دوماً بصدد فرض المزيد من العقوبات الاقتصادية والمالية على الحزب، وربما على أشخاص أو مؤسسات حليفة له، أو ترتبط به بحكم مصالح أو غير ذلك، في الداخل اللبناني وفي الخارج.

آخر فصول العقوبات الأمريكية على إيران، التي يمكن أن تهدد المنطقة بشكل عام، القرارات الأخيرة بمحاصرة إيران نفطياً، والعمل لمنعها من تصدير نفطها وصولاً إلى منعها من بيع أية نقطة منه، وقد كانت في وقت سابق منحت بعض الدول (ثماني دول) إعفاءات في هذا المجال، بحيث أنها سمحت لها باستيراد النفط الإيراني، إلا أن العقوبات الجديدة التي تحدّث عنها وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، أسقطت هذه الإعفاءات، وأعلنت في المقابل أن الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، ستعمل على تأمين البدائل النفطية في الأسواق العالمية لمنع ارتفاع الأسعار، وبهدف تأمين البدائل للدول التي كانت تستورد النفط الإيراني. وفي هذا السياق أكدت السعودية أنها مستعدة لتعويض الأسواق بالنفط السعودي جراء منع إيران من تصدير نفطها.

لا شكّ أن هذه الإجراءات بمثابة إعلان حرب صريحة وواضحة من الولايات المتحدة الأمريكية على إيران، وكذلك هي بمثابة إعلان سيادة القرار الأمريكي على العالم بحيث أنها لم تعتبر مصالح الدول الثمانية التي كانت تحظى بإعفاء وتستورد النفط الإيراني، وهنا يتم انتظار كيفية تعامل هذه الدول، وهي كبرى، مع هذه الإراداة والقرار الأمريكي. كما أن إعلان استعداد السعودية والإمارات تعويض الأسواق ستنظر إليه إيران على أنه جزء من الحرب المعلنة عليها في هذه المرحلة. وهنا تأتي مجموعة أسئلة حول المدى الذي ستبلغه هذه العقوبات من ناحية؟ والكيفية التي يمكن لإيران أن ترد بها؟ وموقف الدول الكبرى (روسيا، الصين، الهند ..) من هذه الإجراءات؟

بات من الواضح أن العقوبات الأمريكية على إيران وحلفائها في المنطقة تستهدف بالحدّ الأدنى تحجيم الدور والنفوذ الإيراني في الإقليم، وتستهدف بالحدّ الأعلى إسقاط النظام الإسلامي في إيران، وتختلف التقديرات بين المحللين حيال الهدف الحقيقي للعقوبات وما سيليها. وفي هذا المجال تعتبر إيران أن تحجيم نفوذها في الإقليم قد يرتد لاحقاً إلى الداخل الإيراني فـ "يخلق" نوعاً من الصراعات الداخلية القائمة أصلاً، والتي بدورها تضعف النظام والجمهورية وقد تطيح بهما لصالح ولحساب قوى إيرانية أخرى. ونذكر في هذا السياق قبل عدة سنوات كيف اعتبر بعض المسؤوليين الإيرانيين أن سورية بمثابة إحدى المحافظات الإيرانية، وأن إسقاط النظام فيها يعني بداية انهيار الداخل الإيراني، وبهذا المعنى فإن إيران لن تقبل بتحجيم دورها الإقليمي، ولكن السؤال المنطقي هو ما هي الخيارات التي تملكها؟

من الواضح أيضاً أن خيارات إيران في الإقليم ليست كبيرة وكثيرة، فالحلفاء على المسرح الدولي (روسيا والصين) لهما مصالحهما التي تُقدّم على أي شيء آخر، ولن تخوض أي من الدوليتن، أو هما معاً حرباً أو مواجهة من أي نوع مع الولايات المتحدة الأمريكية إذا لم تكن محسوبة النتائج بشكل كامل ونهائي، وهذا غير متوفر أو غير مؤمّن إلى الآن. وبالتالي فإن إيران لن تتمكن من الاعتماد على هؤلاء الحلفاء. أما الحلفاء المحليون، أو من يُسمّون بالأذرع، فإن هؤلاء يملكون إمكانية إزعاج الولايات المتحدة، ولكن لا يملكون إمكانية أكبر من ذلك، ومن هنا يأتي السؤال : هل تعمد إيران إلى الاستسلام للإرادة الأمريكية والتسليم لها بالنفوذ والقوة في الإقليم، وبالتالي تنكفىء إيران إلى الداخل؟ أم تعمد إلى فتح مواجهة عسكرية مع الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة (إسرائيل، السعودية، الإمارات ..) معتمدة على مجموعاتها المسلحة المتشرة في كل هذه الساحات، كجزء من حرب استنزاف طويلة لا تقوى تلك الأطراف على تحمّل نتائجها، وهنا نتذكر أن من مصلحة بعض الدول الكبرى استنزاف الولايات المتحدة، وهنا يمكن القول إن إيران لن ترضخ للإرادة الأمريكية، بل قد تذهب إلى مواجهة محسوبة تفتح المنطقة على حرب قد تعيل خلط كل الأوراق.

المهم في كل هذه الأجواء أن الحرب أولها كلام، بل وأولها عقوبات اقتصادية وحصار، وأن لبنان الذي يحتضن أبرز حلفاء إيران قد لا يكون بعيداً عن نتائجها وتداعياتها.