العدد 1556 /29-3-2023
د. وائل نجم

 كشف القرار الذي أعلنته الأمانة العامة لمجلس الوزراء حول تمديد العمل بالتوقيت الشتوي إلى العشرين من شهر نيسان المقبل عن فجوة عميقة ما زالت قائمة بين مكوّنات المجتمع اللبناني، خاصة وأنّ الإعلان جاء إثر فيديو مسرّب للقاء جمع الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي قام خلاله الرئيس نبيه برّي بالطلب من الرئيس نجيب ميقاتي بتمديد العمل بالتوقيت الشتوي رابطاً ذلك بالتخفيف عن الصائمين في رمضان، وقد أبدى الرئيس ميقاتي اعترضاً في البداية وما لبث بعد ذلك أن طلب من الأمانة العامة لمجلس الوزراء أن تصدر إعلاناً بالتمديد، وقد أشعل هذا الفيديو وقرار التمديد اعتراضات عديدة بدأها رئيس التيار الوطني الحرّ، جبران باسيل، الذي رفض هذا القرار وأعلن عدم الالتزام به ومن ثمّ تبعه بذلك عدد من الشخصيات السياسية المسيحية، وكذلك المؤسسات الإعلامية والتربوية وغيرها، ثم ذهب بعد ذلك النائب باسيل للتصعيد متهماً من اتخذ القرار بالتخلّف والرجعية متوعداً بالتحرك بالشارع من أجل إسقاط هذا القرار، وهذا بدوره ما جعل قيادات مسيحية عديدة تخضع لمنطق التصعيد والشعبوية، والدخول في حفلة التعبئة وإثارة الغرائز حتى أنّ الصرح البطريركي في بكركي تماهى مع هذه الأجواء وأعلن عن عدم التزام قرار الأمانة العامة لمجلس الوزراء بتمديد العمل بالتوقيت الشتوي. 

     وبغض النظر عن الحاجة إلى هذا القرار الإشكالية من عدمه، فإنّ هذا القرار وكما يعلم الجميع لا يقدّم ولا يؤخّر بالصوم إطلاقاً، فالمسلمون يصومون من الفجر إلى غروب الشمس ولا يرتبط صومهم بالتوقيت شتوياً كان أم صيفياً. وبغض النظر عمّا إذا كان هذا القرار والفيديو الذي رافقه كان عن سابق تصوّر وتصميم أم جاء بشكل عفوي وقد كان لبنان في ظلّ الأوضاع التي يعيشها بغنى عنه، غير أنّه كشف حجم أزمة الثقة بين مكوّنات الشعب اللبناني أو بالأحرى الشعوب اللبنانية. 

    قد يفهم المرء أن يستغل رئيس التيار الوطني الحرّ فرصة توجيه ضربة للرئيس نجيب ميقاتي وهو الذي يتهمه باستغلال صلاحيات رئاسة الجمهورية في ظل الشغور الرئاسي، وبالتالي حرق صورة ميقاتي في الشارع اللبناني عموماً والسنّي خصوصاً حيث أظهره الفيديو كما وأنّه يتلقّى الأوامر من رئيس السلطة التشريعية نبيه برّي، وبالتالي الضغط عليه لاحقاً لتحقيق بعض المكتسبات، ولكن غير المفهوم أولاً أن يذهب النائب باسيل بخطابه وتصعيده نحو اعتماد لغة تحريضية وطائفية وتكاد تكون عنصرية تريد إثارة الغرائز في الوطن لإنتاج المزيد من الأزمات وصولاً إلى حد الانقسام أو حتى التقسيم! وهو يدرك تماماً أنّ الأزمة في مكان آخر. هي في انتخاب رئيس جديد للجمهورية، والمسؤول عن ذلك من يعطّل الانتخاب ويمنع وصول رئيس جديد للجمهورية إلا وفق شروط محدّدة. 

     وغير المفهوم ثانياً انخراط قوى وشخصيات مسيحية كانت إلى الأمس ما تزال تقدّم نفسها على أنّها شريكة وأنّها حريصة على البلد وتنوّعه وغناه! فقد ساهمت هذه القوى والشخصيات والمؤسسات في تعميق الفجوة وظهرت كما لو أنّ حديثها عن الحوار والعيش الواحد والمواطنة من باب الخداع وإخفاء الوجه الحقيقي. والحقيقة أنّ مواقف هذه القوى كان مستغرباً أو مستهجناً خاصة وأنّ الطابع الذي جرى فيه سياقه قرار التمديد بالعمل بالتوقيت الشتوي لا يشي بأنّه يستهدف أيّ مكوّن أو هو لصالح فئة على حساب فئة أخرى، فلا التوقيت الشتوي خاص بالمسلمين ولا التوقيت الشتوي حكر على المسيحيين، وبالتالي فإنّ الموضوع إداريّ بحت، وكان من المفترض أن يبقى ضمن هذه الحدود. 

     ربما من إيجابيات القرار القليلة أنّه كشف من جديد حجم أزمة الثقة في البلد، ومعها حجم التعبئة التحريضية التي تهدّد فعلاً الصيغة اللبنانية فضلاً عن الكيان. إنّ الخلاصة التي يجب أن يصل إليها الجميع هي في التفكير الجدّي بالخروج الحقيقي من منطق التقوقع الطائفي والمذهبي للعيش في مساحة وطنية جامعة على قاعدة المواطنة الحقيقية التي يتكافأ فيها اللبنانييون.