العدد 1427 / 9-9-2020

د. وائل نجم

تقترب المهلة التي حدّدها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، للطبقة السياسية لتشكيل الحكومة من النفاد ولم يظهر إلى اليوم ما يشير إلى أنّ أجواء التشكيل توحي بأنّ الإعلان سيكون في وقته.

فالرئيس المكلف تشكيل الحكومة، مصطفى أديب، يعتصم بالصمت ولا يتحدث كثيراً عن المساعي والمشاورات التي يجريها حول الحكومة، وتكتفي الأجواء المحيطة به بالإيحاء أنّه يريد حكومة من أهل الاختصاص تعمل على إنقاذ البلد من الأزمة، ولا يريد وجوهاً سياسية في الحكومة، ولا يريدها أيضاً حكومة موسّعة وفضفاضة وكأنّها جوائز ترضية للقوى السياسية والشخصيات، إنّما يريد حكومة مصغّرة لا تزيد عن أربعة عشر وزيراً وتعمل وفق أجندة محدّدة لإخراج البلد من الأزمة والبحث في إجراء الانتخابات النيابية في وقت مبكر. كما جرى الحديث عن المداورة في الوزارات بحيث لا تكون أيّة وزارة حكراً على أيّ طرف سياسي أو مكوّن لبناني.

غير أنّ رغبة الرئيس المكلّف شيء ومطالب القوى السياسية التي عاد الرئيس الفرنسي وعوّمها بعد الانتفاضة الشعبية شيء آخر. فالقوى السياسية التي تملك ناصية المجلس النيابي، والتي شعرت أنّ المبادرة التي جاء بها الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بعد انفجار المرفأ شكّلت بالنسبة لها طوق النجاة من غضب الشعب، رأت في تلك المبادرة حاجة أوروبية أو فرنسية أو حتى أمريكية لها، ولذلك فعادت إلى السياسة والمنهجية التي كانت تعتمدها عند تشكيل الحكومات من المطالبة بحصص وازنة وحقائب دسمة وشروط تكبّل الرئيس المكلّف وبالتالي السلطة التنفيذية. عادت إلى منطق المحاصصة والاستئثار والتخلّي عن الواجب والمسؤولية الوطنية لصالح المصالح الضيّقة والحزبية والطائفية والزبائنية السياسية، ولذلك عاد النقاش إلى المربع الأول، وبات الرئيس المكلف أمام أحجية حقيقية لا يستطيع أن يجد لها حلّاً سحرياً وسريعاً بشكل سهل وهيّن.

أول المطالب التي اصطدم بها الرئيس المكلف هي رغبة رئيس الجمهورية أن تكون الحكومة من أربعة وعشرين وزيراً، وأن تكون مطعّمة بين أصحاب الاختصاص والسياسيين، بمعنى آخر أن يكون فيها جوائز ترضية توزّع يميناً وشمالاً على القوى السياسية والحزبية المهيمنة على المجلس النيابي وعلى الحياة السياسية اللبنانية.

ثم اصطدم الرئيس المكلف أيضاً بمطلب المحاصصة الذي عادت إليه أغلب القوى السياسية والحزبية على الرغم من أنّها أعلنت أثناء المشاورات النيابية غير الملزمة مع الرئيس المكلف أنّها لا تريد شيئاً لنفسها، وهنا أعلنت بعض هذه القوى أنّها لا تتخلّى عن هذه الوزارة أو تلك. كما اصطدم الرئيس المكلف بمسألة رفض المداورة على كل الوزارات، فاعتبر البعض أنّ بعض هذه الوزارات خارج النقاش، كما في وزارة المالية التي نُقل أن الثنائي الشيعي يرفض أن تكون من ضمن المداورة، وهو ما دفع أطرافاً سياسية أخرى للتمسّك بوزارات أخرى ورفض التنازل والتخلّي عنها. إنها العودة إلى المربع الأول، وإلى بداية الأزمة.

من الواضح أنّ القوى السياسية لا تريد حلّاً ولا تريد التنازل عن أيّ من المكتسبات التي تحقّقت لها على مدى العقود الماضية حتى لو كان ذلك لحساب الوطن، وعلى الرغم من الظروف الصعبة التي يمرّ بها البلد. وبالتالي فإنّ ذلك يضع العقدة بالمنشار ويعرقل مساعي التشكيل، وبالتالي اقتراب الحلّ، بل يعرّض البلد إلى مزيد من الأزمات والضغوط والتدخّل الخارجي.

لا يبدو أن مساعي تشكيل الحكومة ستثمر نوعاً من الاتفاق على الحكومة وعلى ولادتها في وقت قريب إلاّ إذا خضعت هذه الطبقة السياسية للتهديدات، تماماً كما خضعت عندما كانت مختلفة على تكليف مصطفى أديب، فجاءت "التعليمة" من الخارج بتكليفه، فامتثلت تلك القوى لتلك "التعليمة". هل ننام على قرار ونصحو على قرار آخر يحمل نبأ إعلان حكومة الرئيس ماكرون؟! أم ترى استوعبت الطبقة السياسية الهجمة، وهي الآن تعيش ترف الوقت؟!