يعاني العالم الإسلامي من ويلات ونكبات كثيرة، ومن حروب داخلية وموجات تشرّد ونزوح غير مسبوقة.. لكن أكبر نكبات العالم الإسلامي هي تفشي موجات العنف والإرهاب في معظم أرجائه، وانتقال هذه الموجات الى أقطار غربية، انتقل إليها المسلمون فراراً مما يتعرضون له في أقطارهم من نكبات. والأسوأ من كل ذلك هو إلصاق تهمة الإرهاب والعنف بالمسلمين، مما جعل الإنسان المسلم متهماً بالتطرف لمجرّد أنه مسلم، حتى لو لم يرتكب أي عمل يعتبر مبرراً لهذه التهمة، فهي جاهزة حتى لو كان المسلم هو الضحية.
بالأمس تعرّض المصلون في مسجد فينسبري بارك (شمال لندن) لجريمة دهس عندما كانوا يخرجون من المسجد بعد أداء صلاة التراويح، سقط أحدهم قتيلاً وأصيب آخرون بجراح. وعلى الرغم من امساك المسلمين بسائق السيارة وتسليمه لقوات الأمن، إلا أن وسائل الإعلام بذلت جهوداً مستميتة من أجل تبرئة الجاني وابعاد التهمة عنه. وفجر يوم الثلاثاء الماضي تعرضت فتاة مسلمة (17 عاماً) لاعتداء اجرامي عند خروجها مع زميلاتها من مسجد يقع في إحدى ضواحي مدينة واشنطن، إذ هاجمها شاب مخمور (22 عاماً) فضربها وطعنها ثم ألقى بجثتها في الماء. ورغم بشاعة الجريمة فإن وسائل الإعلام الأميركية تحاول تبرير هذا التصرف والتخفيف من تبعات هذه الجريمة المروّعة.
رغم كل ذلك، فليس بإمكان أي مراقب نفي تهمة الإرهاب والتطرف عن قطاعات واسعة من شباب العالمين العربي والإسلامي، خاصة بعد تفشي ظاهرة «تنظيم الدولة»، في عدد من الساحات المضطربة، لا سيما في سوريا والعراق، حيث انطلق «داعش» واستطاع أن يبني نظاماً وينشئ جيشاً، ويحتل مدناً سورية وعراقية، أبرزها الموصل والرقة، وأن يصمد سنوات أمام ما يسمى «التحالف الدولي» الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية، بمساندة من قوات النظامين السوري والعراقي.
هنا لا بدّ من وضع اليد على أسباب هذه الظاهرة، ومبررات وجودها في هذين البلدين، وانتشارها بعد ذلك في مختلف أقطار العالم.
السبب الأول هو ما تعرّضت له شعوب المنطقة من ظلامات وحروب، واضطرار شريحة واسعة من مواطنيها الى النزوح والتشرد، والتوجه عبر المحيطات نحو أقطار أوروبية تستطيع فيها أن تعيش بسلام وأمان. وقد شهدت السنوات الست الماضية نزوح ملايين السوريين من مدنهم وقراهم، استقر منهم في لبنان ما يزيد على مليون ونصف المليون نازح، يعيشون في المدن والقرى أو في مخيمات عشوائية لا تتوفر فيها أسباب الحياة الكريمة. وفي تركيا استقر ما يقارب الثلاثة ملايين سوري، معظمهم يسعون للانتقال عبر البحر الى الأقطار الأوروبية المجاورة. وتشير تقارير الأمم المتحدة الى أن عدد الذين أجبروا على الفرار من أوطانهم قسراً تجاوز 65 مليون انسان، وتشير هذه الاحصاءات الى ان أكثر من 41 ألف شخص خاطروا بحياتهم للوصول إلى أوروبا عن طريق البحر خلال العام الجاري، وأن 938 شخصاً (بينهم أطفال ونساء) قضوا غرقاً منذ بداية هذا العام، وأن عدد الذين وصلوا الى السواحل الأوروبية خلال هذا العام بلغوا 1.2 مليون لاجئ. وهؤلاء يتعرضون لأعمال عنف وكراهية، مما يجعلهم جاهزين للالتحاق بأي تنظيم إرهابي يعمل على استيعابهم بعد تقديم العون لهم في بلدان هجرتهم.
السبب الثاني هو فشل ما يسمى «الربيع العربي» في اقامة أنظمة ديمقراطية مستقرة، ونجاح الدوائر  الغربية وبعض العربية في سحق الثورات الشعبية، والزج بعشرات الآلاف من الشباب الساعي إلى الحرية والكرامة في غياهب السجون. وليس عبثاً بروز تنظيمات داعش وأخواتها بعد عام 2014، ولم يكن لها أي حضور قبل هذا التاريخ. وطالما أن طريق الحرية واعتماد صناديق الانتخاب مصدراً للسلطة فشلت في بناء الدولة العربية المنشودة، فالبديل هو اعتماد أي سبيل آخر، ويأتي في المقدمة استعمال القوة والإرهاب للوصول إلى ما يريدون.
السبب الثالث أن التنظيمات التي أفرزها تنظيم «القاعدة» مثل داعش والنصرة ومثيلاتهما، تلقت دعماً واضحاً من بعض الأنظمة الاستبدادية القائمة في العالم العربي، وليس عبثاً عمليات الافراج عن عتاة المتطرفين من السجون العراقية والسورية. فقد تأكدت مسؤولية بعض الوزراء العراقيين وستة من كبار الضباط في الافراج عن نزلاء سجن الموصل والرمادي وغيرهما، حيث كان قدامى ضباط حزب البعث المنحل يعيشون. كما باتت معروفة عملية الافراج عن نزلاء سجن حلب المركزي وسجن صيدنايا في سوريا، لينضموا الى زملائهم العراقيين. وليس بعيداً عنا في لبنان مشروع «فتح الإسلام» الذي حمله «شاكر العبسي» عام 2008، وكان نزيل السجن في سوريا، الى أن جرى ترحيله مع مجموعة تابعة لفصيل فلسطيني الى لبنان، حيث مكثوا فترة في مخيمات قرب بيروت، ليجري نقلهم الى مخيم النهر البارد، ليقع فيه ما يعرفه الجميع. وإذا كانت لدى النظام السوري نقطة نجاح فهي أنه استطاع صرف جهود القوى العربية والدولية من إسقاط النظام الى مواجهة الإرهاب ممثلاً بمجموعات تسيطر على مناطق واسعة من الأراضي السورية.
يتردد في الأوساط السورية والعراقية أن «داعش» تعيش أيامها الأخيرة. حتى لو صح هذا الاحتمال، فمعناه أنها قامت بما تشكلت من أجله، ومنحت النظام براءة كان يفتقدها، وبرّرت صرف النظر عن ارتكابات النظام ليكون له نصيب في أي حل أو تسوية قادمة.
تبقى عملية التعامل مع التنظيمات الإرهابية والفكر المتطرف من واجبات الحركة الإسلامية، لأنها هي المتضرر الأبرز من وجود تنظيمات إرهابية أو فكر متطرف. وهذا يستدعي بذل المزيد من الجهد في الميادين الفكر والسياسية والدعوية. يبقى هذا واجبها وقدرها.. والله الموفق وهو يهدي الى سواء السبيل.}