لم نكتشف بعد، معرفياً- بحثيّاً، بصورة دقيقة، حجم التحولات العميقة لدى أجيال من الشباب المسلم في العالم العربي بعد الصدمات الكبيرة التي تعرّضوا لها منذ سبعة أعوام تقريباً، مع اندلاع ثورات الربيع العربي، ثم «الردّة الدكتاتورية» التي حدثت، وما أنتجته من حروب أهلية وداخلية وانقلابات عسكرية وثورة مضادة. 
نتحدث عن لحظتين تاريخيتين. الأولى، الربيع العربي وأدت إلى تحولات وتكيّفات أيديولوجية وسياسية على أكثر من مستوى، والثانية (منذ عام 2013)، عندما وقع الانقلاب العسكري في مصر، وتزامن وترافق مع الأوضاع في سورية والعراق، ثم صعود تنظيم داعش وبروزه في المشهد العربي، وقدرته على تجنيد عشرات الآلاف من الشباب. 
انعكست هذه التطورات الدراماتيكية والمتغيرات الهائلة الكبيرة في المنطقة العربية، بالضرورة، على الشباب العربي، وتحديداً أبناء التيار الإسلامي الذي اضطرب بشدّة، وهو يواجه انقلاباً عسكرياً أطاح حلمه بالوصول إلى السلطة في مصر، ورأى حظر جماعته (الإخوان المسلمين) في عدة دول عربية، وتصنيفها بالإرهاب، وتحوّل الأوضاع في سورية نحو الوجهة الطائفية العسكرية والحرب الأهلية، وكذلك الحال في اليمن، والانفلات في ليبيا، بينما قيادات «الإخوان» وأول رئيس دولة من الجماعة في السجون، بعد مجزرتي ميداني رابعة والنهضة. 
أنتج ذلك كلّه وعياً جديداً وبلور قناعات مختلفة، وخزّن صوراً وذكريات تعيد تشكيل «الخيال الإسلامي» لهذا الجيل الذي اكتوى بشدة بهذه اللحظة التاريخية. وبينما ركّزت كتابات عربية على «جاذبية داعش» والداعشية، وتأثير ما حدث على تحول الشباب المعتدل إلى التشدّد، غفلت أغلب الأبحاث عن الجوانب الأخرى، أي الشباب الإسلامي الذين ذهبوا باتجاهات أخرى مغايرة تماماً، نحو القبول أكثر بالديمقراطية والمدنية وتداول السلطة، وبعضهم الخروج من رحم «الإسلام السياسي» نفسه باتجاه أحزاب «ما بعد الإسلام السياسي»، وبعضهم نحو العلمانية السياسية، أو الخروج من الإسلام نحو الإلحاد (ما دعا الباحث إياد القنيبي إلى تخصيص حلقات مصوّرة على «يوتيوب»، لمناقشة آراء الملحدين وحججهم، بعدما وجد نمواً في هذا الاتجاه، خصوصاً لدى الشباب المصدومين بصعود داعش)! 
ما يعنينا هنا التغيرات والتحولات الفكرية والثقافية، والنفسية أيضاً، التي حدثت ولا تزال، لدى الشباب الإسلامي في الحركات التي كانت تصنّف معتدلة. وأزعم أنّ الدراسات لهذه التحولات لمرحلة ما بعد الربيع العربي لا تزال محدودة جداً. وفي المقابل، هنالك جهود ملموسة لدى بعض المؤسسات والباحثين، إذ عقدت مؤسسة فريدريش أيبرت الألمانية مؤتمرين إقليميين، واستضافت باحثين متخصصين. الأول في العام الماضي «آفاق الإسلام السياسي في إقليم مضطرب»، وصدرت أعماله في كتاب يتناول تأثير الربيع العربي وما بعده على هذه الحركات. والثاني هذا العام «ما بعد الإسلام السياسي»، يحلل التوجهات الجديدة لدى الحركات الإسلامية، أو ما انبثق منها، باتجاه الخروج من عباءة الإسلام السياسي، والدخول في مرحلة الأحزاب السياسية الوطنية المحترفة، كما حدث سابقاً في تركيا ثم المغرب وتونس. وهنالك باحثون انشغلوا بدراسة هذه التحولات ومتابعتها، ومنهم خليل العناني، من معهد الدوحة للدراسات العليا، الذي يعمل مع مجموعة من الباحثين على عقد ورشة عمل لكتاب قادم يناقش الموضوع نفسه. 
في هذا الإطار جاء كتاب «من الخلافة الإسلامية إلى الدولة المدنية: الإسلاميون الشباب في الأردن وتحولات الربيع العربي»، (مؤسسة فريدريش أيبرت الألمانية، بالعربية والإنكليزية)، ويتناول موضوع التحولات لدى هؤلاء الشباب الذين ينتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين، أو كانوا ينتمون إليها وأصبحوا أعضاء في حزبين جديدين: الشراكة والإنقاذ، وزمزم)، اللذين شاركت بفعالية بتأسيسهما قيادات سابقة في الإخوان. 
تعرّض اليوم شباب ما بعد الإسلام السياسي، أعضاء زمزم والشراكة والإنقاذ، لتحولات جوهرية، نفسياً وفكرياً، نقلتهم إلى مرحلة جديدة في المراجعات والأفكار والتغييرات، وإذا كان شباب الإخوان المسلمين أقل منهم في حجم التحولات، إلاّ أنّ المراجعات طاولتهم أيضاً، ووصلت إلى قيادات قدّمت في الكتاب شهادتها عن مراجعات جرت لديهم، مثل: زكي بني أرشيد وسالم الفلاحات ورحيّل غرايبة. 
الخلاصة أنّ الدراسات التي تناولت الحركات الإسلامية قبل ثمانية أعوام أصبحت اليوم متقادمة، فهناك تحولات في صلب أفكار هذه الجماعات، وفي البيئة السياسية الداخلية والخارجية، تعيد تشكيل النتائج والتصوّرات والمؤشرات عن هذه الحركات والجماعات.}