العدد 1368 / 3-7-2019

د. وائل نجم

ارتفع إلى مستويات عالية منسوب التوتر في البلد خلال الأيام الماضية، لا سيما بعد أحداث بلدة قبرشمون في قضاء عاليه، وكأن البلد لا يكفيه ما هو فيه من أزمات اقتصادية واجتماعية حتى تضاف إليها أزمة جديدة , هي هذه المرة أزمة أمنية هدّدت باشتعال فتنة في الجبل، وسياسية هدّدت بانفراط عقد الحكومة وخروج الأمور عن نطاق السيطرة، ما كان يمكن أن ينذر بالانزلاق بالبلد نحو المجهول.

وإذا كانت حادثة الجبل في قبرشمون، على خطورتها وكلفتها الغالية بشرياً، قد قطعت حتى الساعة من دون أن تحدث زلزالاً كان يمكن أن يحدث في الجبل، وتالياً في لبنان، فإن حادثة السراي الحكومي السياسية لن تقطع بعد، وسيكون لها مفاعيلها ونتائجها السلبية على الجو العام في البلد.

إذا كانت حادثة قبرشمون ستجد طريقها إلى الحل من خلال الوساطات التي تعمل من أجل تسليم المطلوبين والمتورطين في الاشتباك وإطلاق النار إلى القضاء المختص من أجل إجراء التحقيقات واتخاذ ما يلزم، والجميع، حتى الآن، يؤكد الخضوع للقضاء والتسليم بما سيصدر عنه، إلا أن حادثة السراي الحكومي عمّقت الخلاف والانقسام السياسي، وأكدّت ما كان يراود عقول الكثيرين في حديثهم الدائم عن هواجس الاستفراد بالسلطة وقرارات البلد وتجاوز الدستور وإطاحة الصلاحيات، وكل ذلك بالطبع لا يقلّ خطورة عن حادثة الجبل، إن لم نقل إن السبب الرئيسي للحادثة كان تلك الممارسات التي أوصلت إلى تلك النتائج المؤسفة.

من الواضح أن بعض الأطراف السياسية تهوى، عن قصد أو عن غير قصد، توتير الأجواء الأمنية والسياسية والاعلامية في البلد، وعن معرفة مسبقة بالنتائج أو عن جهل بذلك. وهذا بالطبع بضع البلد على حافة الهاوية والانفجار، وما حادثة الجبل الأخيرة إلا أحد المشاهد التي يمكن أن تصيب لبنان.

فقبل أن تبرد أجواء حادثة قبرشمون، وقبل أن تجف دماء الذين سقطوا في تلك الحادثة، لجأ البعض إلى افتعال مشكلة جديدة لا تقل شأناً وخطورة عن تلك، فلجأ بعض الوزراء إلى تعطيل جلسة مجلس الوزراء التي كانت مقررة في السراي الحكومي، وكانت جلسة عادية، فتخلّف أكثر من ثلث الوزراء عن موعد الجلسة، وتركوا زملاءهم ينتظرون قرابة ساعتين دون اكتراث لما يمكن أن يخلّفه هذا التصرّف "الصبياني" من نتائج، ولا ما يمكن أن يولّد من مشكلات.

إن هذا التصرّف بهذه الطريقة وفي هذه الظروف تحديداً ينمّ عن لامسؤولية الطرف الذي قام به، أو عن جهل بالنتائج. فهو تجاوز للصلاحيات وضرب للدستور وإطاحة بكل القواعد المعمول بها في البلد. وهو أيضاً فتح لمشكلة جديدة مع طرف جديد في لبنان، في مقابل أن يقال إن هذا الطرف الذي يملك إمكانية وفرصة تعطيل الحكومة وشلّ البلد وإطلاق الخطابات العنصرية والغرائزية يتحكّم بكل المشهد، وهو الآمر الناهي فيه. وفي الحقيقة هذا يعكس ضعفاً في فهم تركيبة البلد، وحتى في جوهر نصوصها الدستورية والميثاقية، فضلاً عن مصلحة البلد في هذا النوع من الأعمال والتصرفات! وبالتالي فإن اللبنايين ليسوا مضطرين إلى تحمّل هذا النوع من الاعمال والرجات إلى ما لا نهاية، وإلا فإنهم سيجدون أنفسهم ذات يوم وقد فقدوا وطنهم الذي يحرصون عليه.

لبنان اليوم بحاجة إلى مسؤولين يتحمّلون المسؤولية بجد واقتدار وينقذون البلد مما هو فيه، ويتخلّون فعلاً وقولاً عن الخطابات والمواقف التي تثير الغرائز والنعرات الطائفية والمذهبية والمناطقية، وعن محاولات الهيمنة والسيطرة والاستحواذ، فقد ثبت بالدليل على مرّ السنوات والعقود أن هذا البلد لا يحكم إلا بالتوافق، وإذا كانت فيه غلبة لطرف من الأطراف لزمن فهي ليست إلى نهاية الزمان، وبالتالي فالحكمة والعقل تقتضيان أن يتخلّى الجميع عن تلك الأحلام والأوهام والنزول إلى الواقع الذي يجعل الجميع يتحلّون بحس المسؤولية التي تمنع حصول أي توتير من اي نوع كان على قاعدة "أجْبرها قبل أن تنكسر".