العدد 1361 / 8-5-2019
الدكتور وائل نجم

تعيش المنطقة منذ مدة قرع طبول الحرب بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران. فالرئيس الأمريكي، دونالد ترمب، نفّذ قرار الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، وعملت إدارته على فرض عقوبات في أكثر من مستوى على طهران، فصنّفت الحرس الثوري الإيراني على قائمة الإرهاب الأمريكية، والعقوبات الأخيرة هدّدت بتصفير صادرات إيران من النفط. فهو حصار مطبق تريده واشنطن على كل شيء في إيران لإضعافها وإنهاكها وصولاً بهدف إما تركيعها وإما إسقاط نظامها.

إيران في المقابل لم تظهر، حتى الآن، ضعفاً أو تراجعاً، بل على العكس ترفع من مستوى التحدّي، وتؤكد قدرتها على مواجهة أي عدوان أمريكي عليها، بل والانتصار في أية مواجهة. كما تؤكد على امتلاكها إمكانات الصمود في مواجهة العقوبات والحصار، والقدرة على توريد النفط الإيراني إلى الأسواق العالمية. وهي بالمناسبة حذّرت بعض الدول من أن تشكّل بديلاً لنفطها في الأسواق العالمية وعدّت ذلك بمثابة اعتداء عليها وعلى حصتها، وهي تتسلّح وتهدّد دائماً بإغلاق مضيق هرمز، أبرز الممرات المائية العالمية التي يمرّ عبره قرابة 50% من حاجة الأسواق العالمية..

نبرة التحدّي المتصاعدة بين واشنطن وطهران بلغت مستوى متقدماً مع إرسال الولايات المتحدة لحاملات طائرات استراتيجية، ولطائرات استراتيجية أخرى إلى المنطقة، بما يوحي أن الحرب قادمة بين البلدين، فيما لم تتأخر إيران -على لسان قادة الحرس الثوري- في إعلان الجهوزية لضرب كل المواقع العسكرية الأمريكية في المنطقة، بما أوحى أن طبول الحرب بين البلدين تُقرع على مسمع من الجميع في العالم, فإلى أين يمكن أن تمضي الأمور؟

الواضح حتى الآن أن استراتيجية واشنطن في المنطقة، تقوم على: ضمان أمن وتفوّق "إسرائيل"، ضمان السيطرة على منابع النفط والتحكم بها، وضمان السيطرة والتحكم بالمنافذ البحرية الحيوية. وهي لذلك تعمل على تنفيذ ما يُعرف بـ "صفقة القرن"، وبالمناسبة الصفقة تشمل المنطقة كلها وليس فلسطين.

في مقابل ذلك لدى إيران طموح بأن تكون دولة ذات نفوذ في الإقليم بشكل عام، وفي بعض مفاصله بشكل خاص، كما في العراق وسورية ولبنان واليمن، إلا أن ذلك يشكّل من وجهة النظر الأمريكية تهديداً لمصالح واستراتيجيات واشنطن، ولذلك فهي ترفض رفضاً قاطعاً أن يكون لإيران أو لسواها هذا الطموح الذي يمكن أن يتحوّل إلى واقع في وقت من الأوقات، ومن هنا جاءت العقوبات والحصار الأمريكي على إيران، في محاولة لإخضاعها من خلال إقناعها أن تُبقي طموحها داخل حدودها الجغرافية، وإلا فخيار الحرب إذا لم تقتنع بتحجيم هذا الطموح والتخلّي عنه في الإقليم.

وفي مقابل ذلك فإن إيران تنظر إلى أن حيوتها ودورها في المنطقة مستمدان من حضورها الإقليمي في العراق وسورية واليمن ولبنان وغيرها، وبالتالي فإن تخلّيها عن هذا الطموح ينعكس سلباً على دورها، ويحوّلها إلى مجرد دولة هامشية، وهذا ما يحرّك الداخل الإيراني عليها، وهو أساساً متحرك من خلال استمرار عمليات التظاهر والاحتجاج المتواصلة منذ أكثر من سنة.

أمام هذا المشهد يكاد من الصعوبة بمكان الجزم أين تتجه الأمور، ناحية الحرب المفتوحة أم ناحية التسويات المعقولة، ولكن من الواضح أن الخيارات أمام المعنيّين الأساسيين ليست سهلة، فقرار الحرب أو التسوية فيه الكثير من المخاطر، في وقت يمسك بالقرار في كلا البلدين من يتصرفون بخلفية دينية تحوّل الهزائم إلى انتصارات مقدّسة.

د. وائل نجم