العدد 1449 /17-2-2021

د. وائل نجم

ما شهده لبنان خلال الأيام القليلة الماضية كشف حجم الكارثة التي يعيشها على مستوى حمْل المسؤولية الوطنية، والكارثة التي يمكن أن يصل إليها على مستوى بقاء الكيان متماسكاً وموحدّا.

فالسجالات والاتهامات على أعلى مستوى السلطة بين رئيسي الجمهورية والحكومة المكلف كشف أنّ هذه الطبقة السياسية التي لا تنحصر بهما فحسب، لا تشعر بأدنى ما يشعر به اللبناني من أزمات حياتيه ومعيشية يومية تلاحقه في قوت يومه وفي تأمين مستلزمات العيش الكريم. بل هي طبقة تعيش في عالم آخر، ربما هو مرّيخهم، الذي لا يعرفون فيه شيئاً عن عالم أرضنا، عن صراعنا اليومي من أجل البقاء أو من أجل تأمين حبة دواء لم تعد متوفّرة في الصيدليات، ولا كسرة خبز كريمة في الأفران، ولا أي شيء من هذا القبيل. ربما، بل على الأكيد لا يعرفون شيئاً عن معاناتنا من أجل الانتقال من مكان إلى آخر في ظل الإقفال الذي يزيد من حجم المأساة من دون أن يضع الحلول أو يطرح البدائل!

لقد كشفت السجالات أنّ تلك الطبقة لا تفكّر حتى بأتباعها الذين يبذلون أمامها ما يملكون، وهؤلاء البسطاء، يظنّون أنّهم يحمون حياضهم، وحقوقهم، وحضورهم، وتواجدهم وغير ذلك، ولا يعلمون أنّ الذي يصادر تلك الحقوق، ويمارس تلك "البلطجة" بحقهم، ويهدد ذاك التواجد ليس سوى ذاك الذي يدّعي ويزعم أنّه حامي الحمى. ليس سوى ذاك الذي يرفض أن يقف رجل من أتباعه أمامه ليقول له: كيف أو لماذا أو إلى أين؟!

إنّها المأساة الحقيقية التي حوّلتنا إلى قطعان تسير بإرادة ذاك الراعي الذي يسمّننا ثم يضحّي بنا في يوم المصلحة والتضحية.

هل تعلمون لماذا العرقلة؟ هل تعلمون لماذا تأخير الحكومة؟ هل تعلمون لماذا كل هذه التجارة بالوطن باسم الطائفة حيناً والمذهب حيناً آخر والكرامة حيناً ثالثاً، إلى ما هنالك من هذه العناوين الصاخبة والفارغة المحتوى في آن؟ كل ذلك من أجل الزعيم، ومن أجل ولي الزعيم، ومن أجل ابن الزعيم، ومن أجل زوجة الزعيم، ومن أجل صهر الزعيم. من أجل كل هذه السمفونية التي لا تمّت إلى حقوقنا ومصالحنا الحقيقية بصلة.

ألا يكفي عرقلة للحلول؟ ألا يكفي تشويهاً للحقائق؟ ألا يكفي استنفاراً للغرائز؟ ألا يكفي استغباءً للعقول؟ ثم نحن معشر المواطنين، ألم يحن الوقت بعد حتى نكتشف ونعرف ما يجب فعله؟ ألم يحن الوقت حتى نقدّم مصالح أبنائنا ومستقبلهم على حساب مصلحة أولئك الذين يزرعون فينا الخوف من بعضنا؟ ألم يحن الوقت لندرك حقيقة أنّ الذي يوهمنا أنّه يدافع عن حقوقنا هو ذاته الذي يسلبنا إياها ولا يسمح لنا بأن نتمتع بشيء منها؟

هذه العرقلة الواضحة والفاضحة والتي تقدّم مصالح خاصة وفئوية وذاتية وعابرة للحدود وطائفية وحزبية على حساب المصلحة الوطنية العامة. هذا التعطيل الممنهج الذي يضرب كل شيء في دولة المؤسسات يريد أن يسقط الدولة، ويسقط المؤسسات، ويسقط كل القيم الجامعة المشتركة. يريد أن يقيم دولته الخاصة الفئوية ولو على حساب المواطنين. يريد أن يكون له ما له، وما لغيره. هذا المنطق التعطيلي. هذا المنطق التدميري لهيبة الدولة وبنيانها. هذا المنطق اللامسؤول سيؤدي إذا ما استمر إلى الكارثة الكبرى التي إن حصلت لن يسلم منها حتى أولئك الذين يظنون أنّهم سيكونون من الناجين يوم الخسران المبين.

بيروت في 17/2/2021