العدد 1350 / 20-2-2019
الدكتور وائل نجم

ما إن نالت حكومة الرئيس سعد الحريري، حكومة "إلى العمل"، ثقة المجلس النيابي، وقبل أن تعقد جلستها الأولى، حتى طار وزير شؤون النازحين، صالح الغريب إلى دمشق , تلبية لدعوة "رسمية" وصلته من وزير الشؤون المحلية والبيئة في حكومة النظام السوري، وذلك لبحث قضايا تتصل بملف اللاجئين السوريين.

خطوة الوزير الغريب، حديث العهد بالعمل الوزاري، استفزت بعض الأطراف في الحكومة، خاصة وأن حبر البيان الوزاري الذي يتحدث عن النأي بالنفس عن قضايا المنطقة لم يجف بعد، فأوض" بيت الوسط" أن الزيارة خاصة، وليست رسمية، ولم تحصل على تفويض حكومي، والوزير ليس معنياً ببحث ملف اللاجئين مع النظام السوري، ورئيس الحكومة، سعد الحريري، ليس على إطلاع وعلم بالزيارة

مما لا شكّ فيه أن خطوة من هذا القبيل تنطوي على مخاطر وأخطاء لا يمكن تجاهلها أو طي صفحتها

فالوزير الغريب، وبحسب ما أعلنت أوساط السراي الحكومي، لم يطلع رئيس الحكومة على الزيارة، ولم يأخذ إذن مجلس الوزراء بها، وبالتالي فإن هذه الخطوة إذا كانت قد جرت بهذه الصورة، فإن فيها انتقاصاً من صلاحيات رئاسة الحكومة، بل ومن الحكومة ذاتها، إذ تعدّى الوزير الغريب على ملف ليس من اختصاصه، ومن دون تكليف من الحكومة صاحبة القرار الأول والأخير في هذه المواضيع وفي غيرها، حتى أن رئيسها أو حتى رئيس الجمهورية يحتاج إلى قرار منها للمشاركة في أي نشاط خارجي يمثل وجهة نظر لبنان الرسمية، ومن باب أولى أن يكون أي وزير بحاجة إلى مثل هذا التفويض والقرار من الحكومة

والأمر الآخر الذي لا يقلّ شأناً وخطراً وخطأً أن هذه الخطوة بهذه الصورة فيها تجاهل، بل عدم اعتبار لرئاسة الحكومة، في وقت يجب أن تكون هذه الحكومة فريقاً واحداً منسجماً ومتعاوناً مع رئيسها، وهذا التصرّف يُشعر قسماً كبيراً من اللبنانيين، خاصة من يمثّلهم رئيس الحكومة في موقعه، بالاستخفاف بالموقع ومن يشغله، ومن شأن ذلك إثارة العصبيّات والنعرات والتموضعات من جديد، بل من شأن ذلك في لحظة من اللحظات إشعال فتنة لبنان بغنى عنها. ومن هنا فإن مثل هذه الخطوات كانت وما زالت تنطوي على أخطاء ومخاطر كثيرة يجب أن يدركها المسؤولون عنها، وأن يتعاملوا ويتصرّفوا بمنطق المسؤولية الوطنية لحلّ الأزمات التي يعاني منها البلد

أما لماذا هذا التصرّف القديم الجديد فيما خصّ ملف العلاقة مع النظام السوري، لا سيّما أن الحكومة وفي بيانها الوزاري عادت وأكدت وشدّدت على مبدأ النأي بالنفس عن صراعات المنطقة؟ فالواضح أن هناك فريقاً في البلد يعتبر أن النظام السوري خرج منتصراً من حربه مع شعبه، وكذلك على الذين كانون يقفون إلى جانب ثورة ذاك الشعب، وبالتالي فإن فائض هذا الانتصار لا بدّ أن يُوظّف في مكان ما، ومن هنا يضغط هذا الفريق من أجل إعادة تطبيع العلاقة بين الحكومة اللبنانية والنظام السوري، ويريد أن يكون ملف اللاجئين المدخل إلى هذا التطبيع، من خلال فتح علاقات عادية، كما كانت سابقاً بين لبنان والنظام السوري، بينما يشهد الداخل اللبناني انقساماً حاداً، حتى الساعة، على خلفية الموقف من النظام السوري، ومن التطبيع معه، هذا فضلاً عن النظرة إلى كونه قد انتصر أو أن المعركة ما زالت مستمرة بأساليب وطرق مختلفة .

كل المسألة باختصار هي في محاولة فرض التطبيع مع دمشق، بغض النظر عن المصلحة اللبنانية في ذلك، وبغض النظر عن الموقف العربي من النظام السوري، وبغض النظر أيضاً عن حجم الضغوطات الدولية، الأوروبية والأمريكية منها على وجه التحديد على لبنان، أو على غيره في مسألة تطبيع العلاقة مع النظام في سورية. ومما لا شكّ فيه أن هذه المحاولة سترخي بثقلها عاجلاً أم آجلاً على العلاقة بين أطراف الحكومة، وقد تصل بها إلى حدود تفجيرها من داخلها، وهو ما أشار إليه وحذّر منه رئيس المجلس النيابي، نبيه برّي، عندما أشار أمام نقابة الصحافة إلى أنه يخشى على الحكومة من الحكومة نفسها في ظل التباين والسجال حول ملفات خلافية، فالوضع الراهن الذي يمرّ فيه لبنان والمنطقة يجب أن يضع الوزراء والقوى السياسية أمام مسؤولياتها، والخروج من منطق تسجيل النقاط والتعامل بالنكايات .

د. وائل نجم