العدد 1537 /16-11-2022
د. وائل نجم

بدأت تتحوّل جلسات المجلس النيابي المخصّصة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية إلى ما يشبه الماراتون الذي لا ينتهي إلاّ بالتسويات والتوافقات. بدأت تتحوّل إلى شيء مُملّ وعادي ولا يلقى أو يحظى بأيّ اهتمام من قبل اللبنانيين. يدعو الرئيس نبيه برّي النوّاب إلى جلسة انتخاب، يحضر النوّاب ويتأمّن النصاب في الجلسة الأولى (أكثر من 86 نائباً) ويقترعون وتتوزّع الأصوات بين الورقة البيضاء ولبنان الجديد وميشال معوّض ولا ينال أي من هؤلاء لا أغلبية 86 صوتاً ولا الأغلبية المطلقة أو النصف زائداً واحداً، ثم سرعان ما ينفرط عقد الجلسة بتهرّب بعض النوّاب منها لإفقادها النصاب القانوني، وبالتالي إبطال انعقادها خوفاً من أنّ ينال أي مرشح فيها أكثرية 65 صوتاً فيصبح رئيساً للجمهورية.

نحن أمام مسرحية هزلية يمارسها النوّاب ومن يقف خلفهم من قوى وأحزاب سياسية لا ترى سوى مصالحها الخاصة دون أي اعتبار لما يمرّ به المواطنون من أزمات حياتية صعبة وضاغطة جدّاً.

نجد أنّ بعض القوى السياسية تطرح التوافق على شخصية لرئاسة الجمهورية، ولكنّها لا تقدّم أيّ اقتراح عملي لهذا التوافق، بل تنتظر أن يأتي الاقتراح من غيرها لتضع هي عليه "الفيتو" وتعيد الأمور إلى المربع الأول، وهذا الدور طبعاً يمارسه ويقوم به معظم القوى السياسية وليس قوّة واحدة بعينها. وهكذا يتأرجح المجلس النيابي والنوّاب بين جلسة وأخرى وبين ورقة بيضاء ونوايا سوداء بينما يدفع المواطن اللبناني الثمن من قوت يومه ومستقبل أبنائه.

الأنكى من ذلك أنّ بعض القوى السياسة لا تعرف ماذا تريد! ربما هي تنتظر رأياً أو قراراً يأتيها من مكان ما في الخارج حتى تعرف ماذا تفعل ولمن تصوّت وكيف تتعامل مع الاستحقاق!. هؤلاء حيّروا الدنيا لا هم مع التوافق ولا مع المعركة الانتخابية ولا هم مع أنفسهم وطروحاتهم.

هناك من يعترف أنّ البلد لا يمكن أن يكون لفئة دون غيرها، ويعترف أيضاً أنّ المجلس النيابي في حالة انقسام وتشرذم وبالتالي ليس فيه غلبة لأي فريق على حساب الفريق الآخر، وليس بمقدور فريق بمفرده أو مع حلفائه أن ينتخب رئيساً للجمهورية ومع ذلك فإنّه يريد أن يخوض معركة صفرية بحيث أنّه يفرض الرئيس الذي يريده ويجد فيه الفرصة للتحكّم بالبلد والسيطرة عليه.

بين كلّ أولئك يتحوّل المجلس النيابي وجلساته إلى ماراتون من دون أفق حقيقي. إلى جلسات مملّة لا قيمة لها سوى تقطيع الوقت وتضليل اللبنانيين.

هل حقّاً قرار الانتخاب في الخارج؟ بين القوى المؤثّرة في الإقليم؟ وأنّ اللبنانيين لا حول ولا قوّة لهم في هذا الاستحقاق؟

لا ينكر أحدٌ أنّ لبنان، بل دول أكبر وأهم من لبنان باتت خاضعة أو متأثّرة بالتحوّلات والتفاعلات الدولية والإقليمية، وبالتالي فإنّ الاستحقاقات التي تمرّ بها تكون غالباً عرضة للتأثر بالمناخات الدولية والإقليمية إن لم نقل بالتفاهمات الدولية والإقليمية، وإنّ بلداً مثل لبنان بمكشلاته وأزماته الكبيرة والكثيرة سيكون عرضة للتأثر بتلك المناخات والتفاهمات والتسويات والصفقات بكل تأكيد.

ولكن السؤال الآخر، أين المجلس النيابي؟ أين قرار النوّاب وحريتهم في الاختيار وفي اجتراح الحلول للمشكلات التي نعيشها؟ أين دورهم في الإنقاذ؟

اليوم النوّاب أمام تحدٍّ حقيقي في القيام بواجبهم وبمسؤوليتهم في إنقاذ البلد من هذا الأتون الذي يعيشه. النوّاب اليوم أمام مسؤولية انتخاب رئيس جديد للبلاد للتخفيف من هول الأزمة التي وضعها ولإنقاذ البلد حتى لو كان ذلك على حساب الانقلاب على قياداتهم في أحزابهم وعلى الزعامات التقليدية التي لم يأتِ منها إلا ما يعيشه لبنان اليوم، وعلى المراجع والمرجعيات الدينية والسياسية وغيرها حتى يتمّ إنقاذ البلد إذ لا ينفع أن يستجيب النوّاب لقرارات مرجعياتهم في تعطيل المجلس النيابي وفي شلّ البلد لأنّه لن يبقى بعد ذلك قيمة لهم ولا لمجلسهم إذا لم يبقَ بلد.

د. وائل نجم