بات الإرهاب هو الحدث الأبرز على مستوى العالم هذه الأيام. وقد بدأ الأسبوع الماضي بتفجير إرهابي في مدينة سان بطرسبورغ الروسية، في ساعة الذروة من مساء الاثنين، في إحدى محطات المترو، مما تسبب في مصرع خمسة عشر مواطناً وجرح خمسة وأربعين. وقبل معرفة أسباب التفجير، وهل كان عملاً إرهابياً أم بسبب خلل فني، توجهت أصابع الاتهام الى الشباب العائدين من سوريا.. الى أن تبيّن عبر كاميرات التصوير في المحطة ان الفاعل يدعى أكبر جون جليلوف، وهو قرغيزي مسلم، سبق له أن شارك في الحرب الدائرة على الأراضي السورية. وهنا انطلقت بيانات الإدانة والاستنكار من كل أطراف الأرض، لا سيّما من زعماء الأقطار الإسلامية، لأن سكوتهم عن التفجير المروّع يحمل في طياته مسؤوليتهم عن الحدث المرعب، فيما لو سكتوا عن الإدانة والاستنكار.
ومرّ يومان فقط على حادث التفجير الإجرامي المدان، ليفاجأ العالم بحدث اجرامي أوقع أضعاف ما وقع في بطرسبورغ، جلّهم من الأطفال والنساء، ليس بسبب تفجير قام به قرغيزي جنّدته منظمة إرهابية، لم تعرف بعد هويتها أو مرجعيتها، بل هو نتيجة غارات جوية نفذها الطيران الحربي السوري أو الروسي فوق مدينة خان شيخون الواقعة في ريف ادلب. ومعروف لدى الجميع أن مثل هذه الغارات تنفذها طائرات حربية، سورية أو روسية، وليست نتيجة قصف مدفعي أو تفجير أرضي. وأفاد مراسلون في المنطقة بأن أربع غارات نفذت الهجوم، بصواريخ انفجرت منها ثلاثة فوق المدينة، أما الرابع فقد جرى توجيهه الى منشأة طبيّة كان يجري نقل المصابين إليها، وبقايا الصاروخ ما زالت موجودة في المنطقة، وهي تشير الى نوعية الصاروخ. وقد سارعت مصادر رسمية عسكرية في موسكو الى ادانة التفجير، وأن القوات الجوية الروسية لم تشارك في أي عمليات عسكرية في هذه المنطقة. أما الجانب السوري فقد أفاد ناطق عسكري بأن المنطقة التي استهدفها القصف تابعة للمعارضة، في محاولة منه لإدانة قوات المعارضة، غافلاً عن أن أياً من فصائل المعارضة لا تملك قوات جوية ولا صواريخ روسية، وبالتالي فإن المعارضة المسلحة لا يمكن أن تقصف مناطق تابعة لها أو واقعة تحت سيطرتها.
في شهر آب من عام 2013 نفذت طائرات حربية عدة غارات بصواريخ حملت أسلحة كيماوية. ويومها وقف العالم وهو يتفرج على ضحايا الأسلحة الكيماوية وهم يتساقطون، وعلى النظام السوري وهو ينفض يده من هذه الغارات. يومها عقد مجلس الأمن الدولي أكثر من جلسة ادان فيها استعمال الأسلحة الكيمياوية، لكنه وقف عاجزاً عن ادانة النظام السوري الذي نفذ العمليات ضد مناطق الغوطة الشرقية قرب دمشق، لأن الفيتو الروسي حال دون توجيه الاتهام الى قوات النظام، كما قد يحدث اليوم. لكنه اكتفى بمطالبة النظام بإتلاف ما لديه من الأسلحة الكيماوية، ليستعملها مرة أخرى فوق خان شيخون في ريف ادلب الشمالي.
تلك الوقائع كانت خلال ولاية الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما. أما اليوم فإن الولايات المتحدة، التي تعتبر أكبر وأقوى دولة في العالم فهي تقع تحت ولاية المسمى «دونالد ترامب» الذي يفاخر ويركز جهده على مقاومة «الإرهاب الإسلامي» معتبراً أن أوباما كان يتساهل مع هذا الإرهاب ويدعمه في بعض الأحيان. لذلك فقد التقى الرئيس السيسي منذ أيام في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض، ونظر إليه قائلاً: «لديك صديق عظيم وحليف في الولايات المتحدة ورئيسها..» واستطرد موجهاً كلامه الى السيسي: «سنحارب الإرهاب وأشياء أخرى، وسنكون أصدقاء لفترة طويلة جداً.. لدينا رابط وثيق مع الشعب المصري، ونتطلع لعلاقة قوية وطويلة لقتال الإسلاميين المتشدّدين..»، وهنا لا بدّ من التوقف عند التوصيف الأخير، فليس المطلوب فقط مقاومة الإرهاب، أو المتطرفين المسلمين، وانما «لقتال الإسلاميين المتشددين»، وهذا توصيف فكري وليس سياسياً، فما علاقة ترامب أو السيسي أو سواهما بالإسلاميين أو بالمسيحيين، سواء كانوا متشددين أو متساهلين؟! وكيف يمكن تحقيق هذا التوجه الأمريكي، أو الغربي عموماً، سواء في العمل السياسي أو التوجه الفكري؟
والأخطر من كل ما سبق، أننا إذا توجهنا الى القارة الأوروبية مثلاً، نرى حدّة بالغة في توجهات القوى السياسية والتيارات الفكرية والحزبية، ففي فرنسا التي تتحضر لإجراء انتخابات رئاسية ونيابية قريبة، نجد ان المرشحة مارين لوبن تتزعم «الجبهة الوطنية» اليمينية المتطرفة، وقد استلمت راية والدها (جان ماري لوبن) في رئاسة الجبهة، وتعرف بخطابها الشعبوي المعادي للمهاجرين والأجانب عموماً، وتسعى لفصل فرنسا عن الاتحاد الأوروبي كما فعلت بريطانيا. وفي ألمانيا تشتهر فراوكه بيتري بخطابها المعادي للإسلام والمهاجرين واللاجئين، داعية الى حظر الأذان والمآذن والحجاب بالنسبة إلى النساء. وفي بولندا تعدّ بياتا سيدلو (رئيسة حزب العدالة والقانون) ثالث امرأة تتولى رئاسة الحكومة في البلاد، وقد أعلنت أنها لن تستقبل لاجئين على أراضيها. كذلك في النروج، نجد حزب «التقدم» المعادي للإسلام برئاسة سيف ينسن، وفي الدنمارك «حزب الشعب الدنماركي» اليميني المتطرف برئاسة بياكير سفارد المعروفة بعدائها للمهاجرين.
أمام هذا الواقع الجديد، الذي بات ثقافة عامة في معظم دول العالم، يواجه المسلمون، لا سيما الذين يوصفون بالالتزام الديني الفكري والسلوكي، موجة عاتية من العداء، وهذا ما يستدعي دراسات فكرية وسياسية، يتولى بعضها الأزهر الشريف، والمؤسسات الإسلامية. أما الأنظمة في العالمين العربي والإسلامي، فبعضها يمارس ما انغمست فيه الدوائر الغربية الحاقدة على الإسلام والمسلمين.. وبعضها الآخر تتلمس طريقها لمواجهة الموجة العاتية والعداء للإسلام والمسلمين.. لكن هل ستكون في مستوى هذه المواجهة؟!