العدد 1471 /28-7-2021

أيام قليلة وتحلّ الذكرى السنوية الأولى لانفجار مرفأ بيروت. تلك الجريمة التي لم يتكشّف من حقيقتها شيء لغاية الساعة، على الرغم من حجمها وكارثيتها ووصفها بالجريمة السياسية المروّعة، ليس بحق شخصية سياسية إنّما بحق البلد بشكل عام.

قبل بضعة أسابيع ادّعى المحقق العدلي بجريمة انفجار المرفأ القاضي طارق بيطار على رئيس حكومة تصريف الأعمال وعلى عدد من الوزارء السابقين ومنهم نوّاب حاليون، وعلى عدد من المسؤولين الأمنيين والعسكريين الحاليين والسابقين، وطلب رفع الحصانة النيابية عن النوّاب، والإذن الإداري عن الموظفين من أجل التحقيق معهم كمدّعى عليهم بجرم الإهمال الوظيفي أو التسبب بحصول الجريمة، وقد وُصفت قرارات المحقق العدلي بالجريئة، وأعادت إلى اللبنانيين شيئاً من ثقتهم المفقودة بالقضاء اللبناني على الرغم من أنّ استنابات القاضي لم تشمل شخصيات سياسية وفي مواقع مسؤولية رفيعة وعالية اعترفت أمام عدسات الإعلام أنّها كانت على علم بتخزين نيترات الأمونيوم في مرفأ بيروت ولم تُقْدم على أيّ تحرّك لتلافي حصول الانفجار أو منع تخزين هذه المواد الخطيرة بتلك الصورة التي كانت عليها كما قالت التحقيقات. المهمّ في الأمر أنّ استنابات القاضي بيطار أعادت شيئاً من الثقة للقضاء، ومنحت أهالي وذوي الضحايا أملاً أو بصيصاً بإمكانية كشف حقيقة الانفجار ومن يقف خلفه وتالياً محاسبته وإنزال العقوبة اللازمة به.

غير أنّ السلطة التفت على الطلب، فرفض المجلس النيابي رفع الحصانة عن النوّاب وطلب بعد اجتماع هيئة مكتب المجلس من المحقق العدلي إيداع المجلس أولاً نسخة عن التحقيقات للنظر فيها، وبعد ذلك يتمّ التفكير برفع الحصانة من عدمه. كما رفضت الجهات الإدارية المعنية إعطاء الإذن الإداري لاستجواب بعض الموظفين مع تضريح المعنيين منهم بأنّهم تحت القانون وليسوا فوقه، ثم بعد ذلك كانت هناك دعوة لمحاسبة الرؤساء والوزراء أمام المحكمة الخاصة بهم، وصولاً إلى الحملة التي جرت واتهمت فيها كتلة المستقبل بالتغطية على مرتكبي ومتسببي جريمة المرفأ، وهنا كان لزاماً على الكتلة ورئيسها بتوضيح موقفها وهو ما تولاه الرئيس سعد الحريري في المؤتمر الصحفي الذي عقده عصر يوم الثلاثاء وتقدّم فيها باقتراح وعد أنّه سيحوّله إلى اقتراح قانون أمام المجلس النيابي لتعليق العمل بالمواد القانونية والدستورية فيما يتصل بجريمة انفجار المرفأ حتى يكون الجميع بمن في ذلك رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والوزراء وغيرهم أمام المحقق العدلي، وبالتالي سلوك المسار القضائي مسلكه الطبيعي لكشف الحقيقة ومعاقبة الجناة. غير أنّ السؤال الجوهري هو: هل أنّ الحريري أراد بذلك فتح معركة مباشرة مع رئيس الجمهورية مدعوماً (أي الحريري) من الرئيس برّي وغيره بعدما أفشل رئيس الجمهورية كل مساعي الرئيس الحريري لتشكيل الحكومة؟ أم أنّ الرئيس الحريري جاد في كشف حقيقة انفجار المرفأ، وبالتالي يريد فعلاً سوق المتسببين والجناة إلى العدالة غير مكترث أو ملتفت لمعارك سياسية مع رئيس الجمهورية في هذه المرحلة الدقيقة والحرجة؟

أولاً من حقّ الرئيس سعد الحريري أن يدافع عن كتلته النيابية وعن نوّابه بعد اتهامهم بالتغطية على متسببي جريمة انفجار المرفأ، وبالتالي فإنّ إحدى طرق الدفاع عنهم هي في الذهاب إلى رفع الحصانة عن الجميع دون استثناء لملاحقة أي متسبب أو متورط دون أيّة عقبات أو عراقيل، وهذا كلام حقّ لا يمكن لأيّ شخص أن يرفضه، وكل من يرفض هذه الدعوة وهذا الاقتراح، خاصة من الجهات والشخصيات التي يمكن أن تكون موضع مساءلة أو محاسبة، سيضع نفسه في موضع الاتهام.

غير أنّ الرئيس الحريري وكأنّه أراد أن يصطاد عصفورين بحجر واحد. فهو من ناحية دافع عن خيار كتلة المستقبل ونوّابها، وهو من ناحية ثانية فتح معركة مع رئيس الجمهورية، أو بالأحرى غمز من قناته لأنّ الرئيس اعترف أمام الإعلام أنّه كان على علم بتخزين الأمونيوم في المرفأ ولم يقم بأي أمر حيال ذلك، وبالتالي فإنّ مجرد هذا التصريح من شخصية في مثل هذا الموقع تستدعي أن يقدّم إفادته على أقل تقدير أمام القضاء إذا لم نقل إن الإجراءات التي اتخذها المحقق العدلي في الجريمة تنطبق عليها كما تنطبق على كل الشخصيات الأخرى، ولذلك فإنّ اقتراح الحريري في شكله الخارجي وظاهره كان الردّ على الحملات التي تستهدف كتلته، ولكن في جوهره كان فتح معركة مع رئيس الجمهورية في محاولة لـ "سوقه" إلى قوص العدالة، غير أنّ السياسة التي أفسدت كل شيء في هذا البلد كفيلة في إفساد وعرقلة كل الاقتراحات التي تجعل من لبنان دولة مؤسسات وبغض النظر عن النوايا التي ينطلق منها أيّ مسؤول.

د. وائل نجم