العدد 1532 /12-10-2022
د. وائل نجم

أعلن القصر الجمهوري يوم الثلاثاء أنّ اتفاق ترسيم الحدود البحرية الجنوبية مع فلسطين المحتلة في طريقه إلى التوقيع بعد أن حصل لبنان على ما طلبه وعلى التعديلات والملاحظات التي أراد إدخالها على المسودة الأمريكية النهائية. وبالتزامن مع الإعلان اللبناني أعلن رئيس وزراء كيان العدو، يائير لابيد، موافقة حكومته على المسودة الأمريكية وتالياً على الاتفاق الذي وصفه بالتاريخي على اعتبار أنّه قد أمّن لكيان الاحتلال حاجاته الأمنية من ناحية، لا سيما بحرياً، وسيدر عليه مليارات الدولارات خاصة وأنّ عملية الضخ الفعلية قد بدأت قبل أيام من حقل كاريش وإن كان ذلك بشكل تجريبي.

المفارقة بين لبنان وكيان الاحتلال الإسرائيلي أنّ مسودة الاتفاق ستعرض على الكنيسيت اليوم الأربعاء، وسيكون للرأي العام الإسرائيلي كلمته حيالها، في حين أنّ هذه المسودة يجري تهريبها في لبنان كما لو أنّها تحمل شيئاً حقيراً يسبب لمن سيوافق عليه "وجعة راس".

وللتذكير فإنّ لبنان تراجع عن المطالبة بالخط 29 الذي أقرّه الجيش اللبناني بعد عملية مسح لمنطقة الحدود بتكليف من الحكومة اللبنانية. وهذا الخط يمرّ بحقل كاريش، وبالتالي يفقد كيان الاحتلال السيادة الكاملة على هذا الحقل، في وقت تمسّك لبنان بالخط 23 الذي يقسم حقل قانا وهو ما جعل "إسرائيل" شريكة حقيقية في هذا الحقل ولو بطريقة غير مباشرة من خلال خدعة شركة توتال الفرنسية التي قيل إنها ستتولّى الحفر والتنقيب والاستخراج من هذا الحقل، وستتولّى أيضاً دفع تعويض مالي للحكومة الإسرائيلية. هذا ناهيك عن الضمانات الأمنية البحرية التي لم يتحدّث عنها أحدّ.

أغلب المواقف اللبنانية المتصلة بالسلطة والمعارضة جاءت صامتة أو مؤيدة أو في أحسن الأحوال معترضة بخجل على اتفاق الترسيم، مع قناعة الجميع أنّ مثل هذا الاتفاق السيادي يحتاج إلى موافقة مجلس النوّاب، وربما إلى استفتاء شعبي.

لكنّ كلّ هذه القوى على اختلافها لاذت بالصمت أو التأييد على اعتبار أنّ الجهة التي قادت التفاوض ومن كان يقف خلفها لا يمكنهم نقد الاتفاق، في حين أن القوى الأخرى المناهضة للسلطة التي قادت التفاوض لا يمكنها أن تنتقد اتفاقاً رعته الإدارة الأمريكية وبذلت فيه كلّ جهدها.

ومن هنا يمكن القول إنّ الاتفاق كان بمثابة حاجة لكلّ الأطراف المعنية داخلياً وخارجياً.

داخلياً الرئيس ميشال عون بحاجة إلى أن يسجّل في كتاب إنجازاته هذا "الانجاز". والقوى التي تقف معه وخلفه بحاجة أيضاً إلى التخفيف من وطأة الأزمة الافتصادية الضاغطة والتي باتت تنذر بفوضى عارمة، وفي الوقت ذاته لا تريد الذهاب إلى مواجهة مع الاحتلال في هذه المرحلة والظروف غير الملائمة حتى ولو كانت ترفع دائماً من مستوى التحدّي.

خارجياً، "إسرائيل" على مشارف انتخابات تشريعية ولا تريد الحكومة الحالية الانزلاق إلى مواجهة عسكرية في هذا الوقت على الرغم من الاستعداد الكبير لها، وتريد في الوقت ذاته أن تسجّل أنّها تمكّنت من تسجيل المزيد من المكاسب والمصالح الحيوية، وهو ما حصل بالنسبة لها.

أمريكياً تعمل أميركا في الشرق الأوسط وعينها على ما يجري في أوكرانيا، وعلى أوروبا التي هي بأمسّ الحاجة إلى تعويض الغاز الروسي على مشارف الشتاء، وبالتالي لا بدّ من الوصول إلى صيغة مرضية للجميع تكون بمثابة جزء من الحلّ لأوروبا في قضية النفط والغاز.

كل هذه العوامل ساعدت على إنجاز الاتفاق، وربما دفعت إلى التنازل مرحلياً من أجل إنجازه، غير أنّ ما يحمله في طيّاته من عناصر تفجير ستكون كفيلة بتفجيره عند أو خلاف أو تغيّر لموازين القوّة والظروف.

د. وائل نجم