وائل نجم

 القانون الذي أقره المجلس النيابي المتصل بمطلب «سلسلة الرتب والرواتب»، والذي جاء بعد معاناة ومطالب كثيرة وعديدة من أصحابه، تضمّن أيضاً حزمة إصلاحات مساعدة، بعضها يتعلق بمحاولة توفير بعض النفقات، وبعضها يتعلق بزيادة واردات، ومن بين هذه الاصلاحات التي تضمّنها القانون زيادة دوام العمل خلال أيام الأسبوع في المؤسسات الرسمية حتى الساعة الثالثة والنصف، بما في ذلك يوم الجمعة الذي كان الدوام الرسمي فيه ينتهي الساعة الحادية عشرة صباحاً، وتضمّن أيضاً تعطيل يوم السبت بهدف توفير بدلات النقل على خزينة الدولة اللبنانية، فضلاً عن توفير استهلاك الكهرباء والأبنية وما يتصل بها في هذا اليوم. إلا أن هذا القانون أثار حفيظة مكوّن أساسي في هذا البلد، وشريحة واسعة من المؤمنين الذين يعنيهم أداء شعيرة صلاة الجمعة عند أذان الظهر، أي عند منتصف النهار تقريباً، وقد كفل الدستور اللبناني لكل اللبنانيين حرية الاعتقاد وأداء الشعائر الدينية، ومراعاة لهذه المادة الدستورية ضمّن المشرّع لقانون السلسلة مادة أعطت الحق للمسلمين بالخروج ساعتين نهار يوم الجمعة لأداء فريضة الصلاة، وبالطبع هذا الأمر فيه مخالفة دستورية باعتبار عدم المساواة بين اللبنانيين في الحقوق والواجبات إذا كان هذا الحق حصراً بالمسلمين، ولكن القضية الحقيقية ليست في كل هذا، بل في مكان آخر لا بدّ من الحديث فيه بكل صراحة.
أولاً لا بدّ من التذكير بأن أحداً لا يعترض على أن يكون يوم العطلة هو يوم الأحد، وكذلك لا أحد لا يثير هذا الموضوع من زاوية طائفية أو مذهبية أو كيدية، إنما المسألة بكل بساطة هي في شعور مكوّن أساسي في البلد (المسلمون) أن من حقهم أن يكونوا متساوين بالحقوق والواجبات مع غيرهم من المواطنين، بل إنهم لم يكونوا يكترثون في هذا السياق للعمل يوم الجمعة ما دام بإمكانهم الانصراف عند انتهاء الدوام على الحادية عشرة والتوجه إلى المساجد لأداء فريضة الصلاة، ولكن عندما تبادر السلطة التشريعية بطلب من السلطة التنفيذية لإقرار يوم عطلة ثان، فإن من حق هذا المكوّن أن يطالب بأن يكون هذا اليوم هو يوم الجمعة لقدسيته بالنظر إلى فريضة صلاة الجمعة فيه، وبالتالي ما دامت المسألة هي توفير بدلات أو غير ذلك على خزينة الدولة من ضمن سلة الاصلاحات التي تضمنها قانون السلسلة، فإن العبرة هي في عطلة يوم، وليس في أي يوم، وعليه فإن إقرار عطلة يوم الجمعة فيه مصلحة وطنية، وفيه احترام لمشاعر المسلمين كمكوّن اساسي في البلد.
وأما إذا كان الحديث يجري عن مصلحة الموظفين في الادارات الرسمية في تعطيل يومين متتابعين (السبت والأحد) فلماذا لا يجري الحديث عن مصلحة المواطنين العاديين الذي لهم معاملاتهم في الإدارات الرسمية، فلماذا سيكون المواطن مضطراً مثلاً لانتظار إنجاز معاملته قرابة ستين ساعة بسبب تعطيل مؤسسات الدولة يومين متتابعين، وبالتالي فكما للموظفين مصلحة في تعطيل يومين متتابعين، فإن للمواطنين مصلحة في أن تكون العطلة منفصلة حتى يتمكنوا من إنجاز معاملاتهم بوقت أقل، خاصة أن الجميع يدرك أن منح المسلمين فرصة ساعتين وقت صلاة الجمعة سيعني في بلد كلبنان تغيب فيه المراقبة والمحاسبة انتهاء الدوام الساعة الحادية عشرة وخارج إطار القانون، وبالتالي فإن المتضرر الأول من هذه المسألة المواطن اللبناني، وما دامت الدولة يعنيها التوفير فقط، فإن عطلة اليوم الثاني لا تعنيها كثيراً، لذا فإن المصلحة الوطنية بكافة المقاييس هي أن يكون اليوم الثاني للعطلة هو يوم الجمعة. ومن هنا فإن المطلوب أن تبادر الجهات المعنية إلى تصحيح هذا الخطأ التزاماً بالمصلحة واحتراماً مشاعر مكوّن اساسي في لبنان.
رُبّ قائل يقول إن بعض المسؤولين المسلمين كانوا شركاء في إقرار هذا القانون، ويُذكر في هذا السياق أن النائب الوحيد الذي اعترض على القرار هو النائب عماد الحوت، ولكن ذلك لا يبرر كونه خطأً وكون التراجع عنه فضيلة، ولعلّ هؤلاء مطالبون قبل غيرهم بمراجعة موقفهم وتصحيح هذا الخطأ حتى لا تُكرّس حالة التهميش التي يشعر بها كثير من المسلمين.
وأخيراً فإن مفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان واستدراكاً لهذا الخطأ، وانطلاقاً من الموقف التاريخي والمبدئي لدار الفتوى بالمطالبة بعطلة يوم الجمعة، نقل بعض زواره عنه أنه كلف لجنة قانونية لدراسة إمكانية تقديم طعن أمام المجلس الدستوري في هذه الجزئية المتصلة بشعيرة الصلاة، حتى يحفظ للمسلمين دورهم وكرامتهم وحقوقهم في هذا البلد من الضياع.}
وائل نجم