يحمد اللبنانيون ربهم ويشكرونه بعد تقديم الترشيحات لوزارة الداخلية، بعد طول انتظار.. وكأن لبنان كان نظامه ملكياً وتحوّل فجأة إلى جمهوري.. كأن الانتخابات النيابية والترشح لعضوية المجلس النيابي تجري فيه لأول مرة. لذلك فقد ارتفعت نسبة المرشحين الى ما يقارب الألف، عدد النساء بينهم ثلاث شارات عمودية (111) مائة وإحدى عشرة امرأة (عفواً سيدة)، بانتظار المرحلة التالية، وهي تشكيل اللوائح الانتخابية التي اعتبرها قانون الانتخاب النسبي شرطاً لقبول الترشيح، ليأتي بعد ذلك اليوم الموعود (6 أيار 2018) الذي تجرى فيه الانتخابات.
لكن هل هذا كل ما في في الأمر؟! أمامنا مدة أسبوعين، يجري خلالهما تشكيل اللوائح، وهي مهمة صعبة المنال، بعد عملية الترشيح التي مارسها حوالى ألف مرشح، وسدّد كل مرشح ثمانية ملايين ليرة لبنانية، لا يستطيع استردادها، سواء ترشح بعد ذلك أو سحب ترشيحه. والأهم من كل ما سبق هو عملية الفرز التي لم يألفها اللبنانيون، فهناك «الحاصل الانتخابي»، وهناك اشكالية الصوت التفضيلي، والأهم من كل ذلك هو الفرز الطائفي والمذهبي في اللائحة الانتخابية.
يؤكد كثيرون أن التجربة اللبنانية في الانتخابات النيابية بالقانون النسبي وتفاصيله واشكالياته، لن تتكرر في أي انتخابات قادمة، إذ على الرغم من توزيع النواب الفائزين على الدوائر والمواقع المذهبية، لكن الناخب اللبناني كان حراً طليق اليد في أن ينتخب من يريد من أعضاء اللائحة، بينما هو بموجب القانون ملزم بتزكية كل أعضاء اللائحة لمجرد وضع اشارة على اللائحة في المربع المرسوم، وكذلك وضع اشارة أمام اسم المرشح التفضيلي من أعضاء اللائحة. أما لو أراد تزكية مرشح آخر من هذه اللائحة، فليس له ذلك، وهذا يعني إلغاء دوره في العملية الانتخابية.
بعض الذين روّجوا لقانون الانتخاب النسبي اعتبروا ذلك خدمة للأقليات ومواجهة للمحادل الانتخابية.. بينما نظام اللوائح الإلزامي هو الذي يصنع المحادل ويلغي دور أي مرشح منفرد، لأن مجرد ترشيحه بات غير مقبول ان لم يكن عضواً في لائحة.
يقولون ان القانون النافذ يشيع الحياة السياسية والحزبية ويحتم أن يكون للمرشحين على لائحة واحدة برنامج انتخابي موحد.. ونسأل: هل أعلنت أيّ من اللوائح الانتخابية برنامجها الانتخابي، سواء في جوانبه السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو سواها؟! وهل مبررات التقارب السياسي بين المرشحين هو الذي دفعهم إلى التقارب الانتخابي؟.. في إحدى دوائر الجنوب التي شهدت الإعلان عن أول لائحة، ضمت مرشحين لحركة أمل وحزب الله وأنصارهم، برز الى جانبهم مرشح للحزب الشيوعي، لم يجد من يتحالف معه سوى حزب «الانتماء اللبناني» بزعامة المرشح أحمد الأسعد، ابن أعرق اقطاعية في لبنان الجنوبي.. فأين هي العناصر التي تجمع الحزب الشيوعي الى ابن كامل الأسعد في الجنوب المحروم؟!
الرئيس الأسبق لمجلس وزراء لبنان فؤاد السنيورة كان أبرز الوجوه التي عزفت عن الترشح، رغم اصرار الرئيس سعد الحريري على تقديمه كمرشح عن مدينة صيدا، لكنه رفض ذلك متذرعاً بمبررات عديدة، طرحها في مؤتمر صحافي عقده في المجلس النيابي، قال فيه: «ولما كانت اقتناعاتي لا تتفق مع المبادئ والمتطلبات السياسية والأسس التي قام عليها قانون الانتخاب الحالي، الذي في نظري يتعارض مع الدستور في طريقة تشكيل وتقسيم الدوائر الانتخابية، الذي يجعله الأقرب إلى ما سمي خطأ «القانون الأرثوذكسي»، وكذلك بسبب طريقة الانتخاب التي تعتمد على الصوت التفضيلي، وأيضاً بسبب اللوائح المقفلة التي تحرم المواطن حرية الاختيار، بما يسيء إلى ديمقراطية الانتخابات ويهدد الوحدة الوطنية والعيش المشترك، وبكونه أيضاً يقسم البلاد إلى وحدات طائفية، بما يزيد من حدة الصراع بين المرشحين داخل اللوائح الواحدة، ويؤدي إلى فوز الأكثر تطرفاً في دوائرها، كما ان اقتناعاتي لا تتفق مع الخطوات المطلوب القيام بها ومنها بعض التحالفات المرحلية، للفوز في الانتخابات المقبلة، فإني رأيت من الأفضل لي ولتجربتي السياسية والوطنية أن أبقى خارج المنافسة النيابية المقبلة، وأن أتفرغ لعملي العام والوطني خدمة للبنان الوطن ككل ولمدينتي صيدا، ولذلك فإني أعلن عزوفي عن الترشح».
كذلك أعلن عضو «تكتل التغيير والإصلاح» النائب فريد الياس الخازن، عزوفه عن خوض الانتخابات النيابية في دائرة كسروان الفتوح، وهو الثاني الذي يقرر عدم الترشح بعد زميله في التكتل والدائرة النائب نعمة الله أبي نصر. وفي مؤتمر صحافي في مجلس النواب، «أشار الخازن الذي أمضى 13 عاماً في العمل التشريعي، إلى أنه كان من معارضي قانون الانتخاب، باعتباره ضائعاً بين النسبي والأكثري ولا يساوي بين الناخبين، ويجعل المعركة ضمن اللائحة الواحدة بقدر ما هي بين لوائح متنافسة».
ليست هذه وحدها مبررات عدم المشاركة في الانتخابات، ولا الثغرات التي تحيط بالقانون الجديد، وسوف يلمس الجميع بعد إجراء الانتخابات الثغرات الكبيرة التي تجعل هذا القانون أشد سوءاً من القانون الأكثري، وعندها سوف يكون لبنان أمام استحقاق جديد، قد يستغرق وقتاً أطول مما استغرقه القانون النسبي.
نعود إلى القول، ان الأهم من اسم المرشح واسم قريته أو طائفته هو برنامجه الانتخابي، ومدى صدقه في الالتزام بهذا البرنامج.. مع أن عدداً من المرشحين ليس لديهم أي برنامج، سواء كان سياسياً أو اجتماعياً، بل هناك عملية التوريث التي شاعت في الأيام الأخيرة، وباتت عملية اخلاء المقعد النيابي للابن أو البنت تغطي مساحة واسعة من الترشيحات. لذلك نتمنى لو استفاد السادة المرشحون من الوقت المتاح، وهو يمتد لمدة شهرين تقريباً، من أجل التقاء أعضاء اللائحة على برنامج انتخابي موحد، يلتزمونه خلال الولاية الكاملة لمجلس النواب.. وليس مجرد التناحر والتدافع الذي بدأ منذ الآن حتى داخل الكتل أو الأحزاب، ليس حول المطالب والمبادئ وانما حول المصالح والمكاسب، العائلية والشخصية.. وكان الله في عون الشعب اللبناني، الصابر المرابط.