العدد 1494 /5-1-2021

لافتاً كانت موجة الخطابات العالية النبرة والسقف التي سمعناها وشاهدناها وتابعناها الأيام الأخيرة ومع مطلع العام الجديد والتي افتتحها رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل عندما شنّ هجومه بكل الاتجاهات ولم يوفّر أحداً على الإطلاق لا من الأصدقاء ولا من الخصوم.

ولافتاً أيضاً توالي المواقف التي تلت موقف باسيل من أكثر من طرف وفريق سياسي واعتمدت سقفاً عالياً ونبرة قوية حملت كل معاني التحدّي والعنفوان تجاه الأطرف الأخرى.

ولكن الشيء غير المستغرب أنّ كل الأطراف السياسية المشاركة في هذه العملية، عملية إثارة الرأي العام وإلهاب حماس الجماهير باتت على معرفة وخبرة مفادها أنّه قبل الاستحقاقات لا بدّ من إثارة العصبيات حتى يتمكن الفريق من عبور الاستحقاق بأقل الخسائر وأكبر المكاسب.

الجميع بات ينظر إلى الاستحقاق الانتخابي القادم في شهر أيّار على أنّه مفصلي ولا بدّ من مقاربته بشكل مختلف خاصة بعد تطوّرات المشهد اللبناني في أعقاب انتفاضة السابع عشر من تشرين الأول 2019، لذا لا بدّ من إثارة العصبيات التي أعادت اللبنانيين في أعقاب تلك الانتفاضة إلى مربّع الخضوع، مربّع العصبيات.

كلّ القوى السياسية المشاركة في العملية السياسية والانتخابية باتت لها خبرة واسعة في كيفية مقاربة الاستحقاقات الانتخابية، فهي قارئة جيّدة لعقلية الناخبين، وتفهم بشكل كبير كيف يفكّرون وماذا يريدون، وما هي الأمور التي تحركهم والأمور التي لا تحرّك فيهم ساكناً، ولذلك وجدت هذه القوى الخبيرة أنّ أهمّ مادة يمكن أن تُستخدم في عملية كسب المعركة الانتخابية، وربما بالتنسيق المباشر أو غير المباشر فيما بينها، هو في اللجوء إلى شدّ العصب الطائفي والمذهبي والسياسي في ظل نظام سياسي وقانون انتخابي يقوم أصلاً على التوزيع الطائفي والمذهبي والسياسي.

وهنا نتحدث كيف شنّ رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل هجومه بكل الاتجاهات ليس لصناعة عداوات مع تلك الأطراف، بل لشدّ العصب من حوله، فهو مقبل على استحقاق انتخابي وأفضل طريقة لكسب هذا الاستحقاق هو في شد العصب.

هنا نتحدث أيضاً عن هجوم الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله على السعودية ردّاً على مطالبة الملك سلمان اللبنانيين بإنهاء ما سمّاه هيمنة حزب الله على الحياة في لبنان بعد أن وصف الملك سلمان الحزب بالإرهاب. السيّد نصرالله لا يريد أن يفتح جبهة مع المملكة في الوقت التي يجري نوع من الحوار بينها وبين الجمهورية الإيرانية في بغداد وعمّان. هو يريد أن يشدّ عصب جمهوره وقدجاءته الفرصة لذلك في لحظة يشهر فيها أنّ هناك هجمة شرسة من كل الأطراف، داخلية وخارجية، تستهدفه. لقد شدّ السيّد عصب جمهوره من ناحية وأعطى فرصة مقابلة للطرف المقابل كي يشد هو الآخر عصب جمهوره.

وهنا نتحدث أيضاً وأيضاً عن تلقْف الرئيس سعد الحريري الفرصة والرد بهجوم مضاد دفاعاً عن المملكة التي لم تعطه بعد بطاقة خضراء للدخول إليها. هو لا يريد أن يفتح جبهة مواجهة مع حزب الله. كل ما يريده أن يشدّ عصب الجمهور الذي بات يشعر الخيبة ويبحث عن أية فرصة لالتقاط الأنفاس واستعادة الثقة والدور والحضور. وما قام به منافسو الحريري يصب في الاتجاه ذاته فحسب.

مسكين هذا الشعب اللبناني. عند الاستحقاقات تثار العصبيات ومن ثمّ بعد أن يهدأ وطيس المعركة الانتخابية ويتقاسم المدافعون عن الحياض نتائج الانتخابات يعودون من جديد لتقاسم الحصص على حساب هذا الشعب المسكين!

د. وائل نجم