العدد 1475 /25-8-2021

المستوى الذي بلغته الأوضاع في البلد يمكن أن يُقال فيها إنها بلغت مستوى الكارثة بل ربما تخطّه. فلا كهرباء من مؤسسة كهرباء لبنان ولا حتى من المولدات الخاصّة إلاّ بشق الأنفس، ولا مازوت لضمان عمل المستشفيات والأفران والمؤسسات الخاصة والعامة وغيرها إلاّ بعد العناء الطويل، ولا بنزين للسيارات تسمح للمواطنين بالانتقال السهل والسريع إلى أعمالهم من أجل ضمان جريان الدورة الاقتصادية، ولا دواء في الصيدليات إلاّ ما ندر بينما البعض يحتكر هذه المادة ويمنع الشفاء عن الناس، ولا غاز يسعف النساء على طهي الطعام لعائلاتها حتى إذا ما عادت هذه العائلات إلى المنازل وجدت قسطاً من الراحة ولقمة العيش الطيّبة والكريمة، ولا انتظام لعمل المؤسسات الرسمية حيث تستغرق أية عملية روتينية إلى وقت طويل من أجل إنجازها، والقائمة طويلة وتطول كثيراً للحصول على أبسط هذه الخدمات التي يجب أن تكون موفّرة في أيّ مجتمع من المجتمعات، والمسؤول عن هذه الكارثة بالدرجة الأولى والأساسية هو هذه الطبقة السياسية، وهذه السلطة المتمثّلة بهذه القوى الممسكة بتلابيب القرار اللبناني والتي تأخذه أسيراً بين يديها دونما اكتراث لما يجري، ودونما نظر لأهمية منح الفرص الحقيقية للخروج من هذه الأزمة وتفادي هذه الكارثة.

غير أنّ المشكلة الأكبر والأكثر خطورة هي في كون هذه الطبقة لا تعترف بالأزمة أو بالكارثة ولا تكترث لها، فهي ماضية في مشروعها وفي استكمال الإجهاز على البلد، وهي مستمرة في سياساتها الكارثية التي تدمّر ما بقي من عمران. هذه الطبقة السياسية المصابة بانفصام حقيقي عن الواقع وعن الناس لا تأبه لما يصيب هؤلاء الناس وهمّها الأساسي منطق المحاصصة والكيدية والاستئثار والمغانم. والأنكى من ذلك أنّ هذه الطبقة السياسية العابثة بالبلد وبكل ما فيه وحتى بمستقبله ماضية دون تردّد لأنّها لا تجد من يقول لها لا. لأنّها ترى أن نفوذها ما زال كما هو، وأنّها قادرة عن استنفار الناس واستفزازهم على خلفية طائفية أو مذهبية أو سياسية أو مناطقية أو غيره، وتحشيدهم وتعبئتهم ضد بعضهم البعض فيما هي متربّعة على عرش مكتسباتها تحت عنوان الدفاع عن حياض الطائفة أو المذهب أو المنطقة أو الزعيم أو غيره. والسؤال المنطقي الذي يفرض نفسه على الناس، لماذا تقبلون بهذا الواقع؟ لماذا تستمرون بتحمّل هذه الطبقة والجميع بات يدرك أنّها مسؤولة عن الكارثة؟ لماذا الصمت على كل هذا الوضع المتفاقم الذي بات الحصول فيه على صفيحة بنزين أو قارورة غاز منزلي أو علية دواء لمريض أكثر ندرة من الحصول على سلاح نووي أو ذرّي!!

الحقيقة أنّ الطبقة السياسية مسؤولة عن هذه الكارثة وهي ينغي أن تلتفت إلى حجمها لأنّ انهيار البلد لن يبقي من تتاجرون به أو تحكمونه أو "تركبون" ظهره!. وبالتالي فإنّ المطلوب منها أن تبادر إلى الحلول السريعة قبل استفحال الوضع والدخول في الفوضى العارمة وعندها ستخسر هذه الطبقة كل شيء، نعم كل شيء. فهي الآن تلعب لعبة خطرة جدّاً، هي لعبة أخطر من الروليت الروسية.

والحقيقة الأخرى هي أنّ الناس مسؤولون عن الخروج من هذا الوضع. ماذا تنتظرون لوضع حد لهذا العبث بكم وبالوطن؟! هل ما زلتم تصدّقون أنّ تلك الطبقة السياسية تضمن حقوقكم؟ تضمن حقوق طوائفكم ومذاهبكم ومناطقكم؟ لو كانت جادة بذلك لعملت بكل ما أوتيت من قوّة لإخراجكم من هذا الكارثة والتية! ماذا تنتظرون حتى تقول لهم كفى؟! حتى تقولوا لهم لا؟! حتى تثوروا على هذا الواقع وتعيدوا الأمور إلى نصابها وتعيدوا الوطن إليكم وتعودوا إلى الوطن؟ وأمّا أولئك الذين يثيرون كلّ مرّة قضايا طائفية ومذهبية ومناطقية وضيّقة تحت اي عنوان كان، هؤلاء أكثر خطراً من تلك الطبقة السياسية لأنّهم يعملون لديها دون أن يدروا، أو أنّهم يدرون ذلك فهم متواطئون وأكثر لؤماً من تلك الطقبة. وإذا كانت تلك الطبقة غير مكترثة لما يصيبكم، فهل أنتم مضطّرون للانتظار حتى تفقدوا كل شيء حتى أبناءكم ومستقبلكم كل شيء؟! آن لكم أن تقرّروا وتتحرّكوا لإنقاذ ما بقي من وطن.

د. وائل نجم