العدد 1442 / 23-12-2020

د. وائل نجم

يبدو أن شكوى الرئيس المكلّف سعد الحريري عند البطريرك الماروني بشارة الراعي، وتعهّد الراعي بالقيام بوساطة ما في ملف تشكيل الحكومة لتدوير بعض الزوايا وتشكيل بعض القناعات، يبدو أنّه – حتى اللحظة – آتى أكله وأوجد نوعاً من الأجواء الإيجابية التي أوحت أنّ ولادة الحكومة بات ممكناً إن لم نقل متاحاً وقريباً.

فقد حمل الراعي بعد استقباله الرئيس المكلف يوم الاربعاء الماضي (16/12/2020) بعض الأفكار كوساطة بين الرئيس المكلف سعد الحريري وبين رئيس الجمهورية ميشال عون الذي رفض التشكيلة الحكومية التي عرضها عليه الحريري قبل أسبوعين تقريباً، وبعد ذلك استدعى الراعي إلى بكركي رئيس التيار الوطني الحر، الوزير السابق جبران باسيل، ويبدو أنّه طلب منه التخلّي عن مسألة الثلث المعطّل في الحكومة وعن أمور أخرى تسهّل تشكيل الحكومة ويُتهم الوزير باسيل بأنّه خلفها.

خلال الساعات الماضية التي سبقت كتابة هذا المقال زار الرئيس المكلف سعد الحريري قصر بعبدا بناء لدعوة من رئيس الجمهورية ميشال عون، وجرى البحث في التشكيلة الحكومية وفقاً للتصوّر الذي عرضه الحريري عليه قبل أسبوعين، ومن ثمّ خرج الحريري ليقول إنّ الأجواء إيجابية، وأوحى أنّ تشكيل الحكومة قد يكون خلال الساعات المقبلة قبل أعياد الميلاد ورأس السنة. وتجدر الإشارة هنا إلى القول إنّ أحداً لا يمكنه أن يقول إنّ الأمور مضت نحو الخواتيم السعيدة، حتى "يصير الفول بالمكيول" فهناك شيطان التفاصيل الذي يمكث في القصر ولا يريد للبلد أن تخرج من نفقها المظلم إلاّ إذا تمّ تلبية رغباته وتطلعاته.

على كل حال، هل يمكن القول إنّ أوان تشكيل الحكومة قد حان؟ أم أنّ العقد التي كانت تحول دون ذلك ما زالت قائمة وحاضرة؟

وللإجابة على هذا السؤال لا بدّ من الإشارة إلى نوعين من العقد. داخلية تتمثّل بالتمسّك بمنطق المحاصصة والاستئثار والكيدية و"الولدنة"، ودونما نظر أو اعتبار لحجم المخاطر المحدقة بالبلد أو حتى بكل مكوّناته. وخارجية لها علاقة بالتنافس الدولي والإقليمي على النفوذ والسيطرة، ويأتي في مقدمة تلك القوى المتنافسة الولايات المتحدة الأمريكية وإيران.

على مستوى العقد الداخلية التي كان الجميع يعرف أنّها تتمثّل بمطلب رئيس الجمهورية ومن خلفه صهره الوزير جبران باسيل بالحصول على الثلث المعطل في الحكومة، يبدو أنّ القوى في الشارع المسيحي، وفي الطليعة البطريرك بشارة الراعي، بدأت تتلمّس حجم المخاطر التي تنشأ عن غياب الحكومة وتحلّل البلد وتحلّل مؤسساته، وحجم انعكاس ذلك على الحضور وحتى التواجد المسيحي في لبنان، ولذلك رأت أنّ من الضروري إقناع الرئيس ومن خلفه التيار الحر بالتخلّي عن هذا الشرط والانخراط الإيجابي بتشكيل الحكومة قبل انهيار الهيكل. ولذلك تحرّك الراعي على هذه الجبهة، وربما يكون قد وُقّق لتشكيل قناعة عن الرئيس وصهره لتسهيل عملية تشكيل الحكومة والتخلّي عن العقد.

في المقلب الأخر المتعلق بالعقد الخارجية، وهي كانت أكثر شدّة قبل أسابيع في ضوء قوة قرار الرئيس الأميريكي دونالد ترمب في الإدارة الأمريكية، ومع اقتراب موعد تسليم هذه الإدارة إلى الرئيس المنتخب، بدأت تتراجع هذه الشدّة، ومن غير المعروف بعد إذا ما كانت الإدارة الجديدة ستتعامل مع هذا الملف بالطريقة والحزم ذاته، وهنا أيضاً تجدر الإشارة إلى أن إيران بما لها من "احترام" لدى حلفائها في لبنان، قد تلجأ إلى تسهيل عملية التشكيل كرسالة إيجابية للإدارة الجديدة. ولذلك يمكن القول : نعم قد يكون أوان تشكيل الحكومة قد حان، وقد يبصر النور فعلاً خلال الأيام إن لم نقل الساعات المقبلة.

لكن السؤال الآخر والأساسي الذي يحتاج إلى إجابة أيضاً لا تقل عن الإجابة عن سؤال الحكومة، وهو : متى يحين أوان خلاص البلد من أزماته؟ وتالياً متى يحين أوان بناء البلد بعد الخراب الذي خلّفته سياسات الطبقة الحاكمة؟!

بيروت في 23/12/2020