العدد 1482 /13-10-2021

صبغة الله صابر

توفي صباح يوم الأحد العالم الدكتور عبد القدير خان في أحد مستشفيات العاصمة إسلام أباد عن عمر بلغ 85 عاما، ووصفت الحكومة الباكستانية الرجل بالبطل القومي، مشيرة إلى أن وفاته تعد خسارة كبيرة لأول دولة نووية إسلامية.

ولد عبد القدير خان مهندس البرنامج النووي الباكستاني في منطقة بوبال عاصمة ولاية ماديا برديش بالهند عام 1936 قبل استقلال باكستان في عام 1947 في أسرة مسلمة لأب يدعى عبد الغفور، حيث كان والده يعمل مدرسا في إحدى المدارس المحلية بالهند.

المدرس التقليدي كان يهتم كثيرا بابنه عبد القدير تحديدا في تربيته على التعاليم الدينية، مع حرصه على تعليمه اللغتين الأردية والفارسية.

بعد استقلال باكستان انتقلت العائلة إلى مدينة كراتشي الباكستانية، فيما واصل خان الدراسة هناك حتى تخرج من كلية "دیارام جيته" للعلوم بجامعة كراتشي عام 1960.

التحق خان بجامعة برلين التقنية ونال درجة الماجستير عام 1967، ثم نال شهادة الدكتوراه عام 1972 من جامعة لوفين البلجيكية.

عمل خان في شركة (إيف دي أو ) الهندسية الهولندية ككبير خبراء المعادن، وكانت الشركة على صلة وثيقة بمنظمة اليورنكو (أكبر منظمة بحثية أوروبية) التي كانت متهمة أيامها بتخصيب اليورانيوم من خلال نظام آلات الطرد المركزي.

حصل خان خلال عمله في الشركة على تجربة وخبرة كافية لتصبح هي الأساس الذي بنى عليه برنامج باكستان النووي لاحقا.

كان خان واحدا من أكبر العلماء الذين عملوا في مجال الطاقة النووية بعد أن دخل إلى منشآت سرية في منظمة اليورنكو، وكذلك وصوله إلى الوثائق الخاصة بتكنولوجيا آلات الطرد المركزي.

في عام 1974 قامت الهند بتجربتها الأولى للقنبلة النووية، حينها أرسل الدكتور خان رسالة إلى رئيس وزراء باكستان ذو الفقار علي بوتو، وطلب منه إنشاء برنامج نووي مقابل ما فعلته الهند.

دعاه رئيس الوزراء الباكستاني ذوالفقار علي بوتو لزيارة باكستان بعد تلك الرسالة بعشرة أيام، ثم دعاه مرة أخرى في عام 1975 وطلب منه عدم الرجوع لهولندا، مقابل ترؤسه برنامج باكستان النووي.

أبلغ الدكتور زوجته الهولندية بالخبر والذي كان سيعني تركها لهولندا إلى الأبد، وافقت هي على قراره عندما علمت برغبته في تقديم شيء لبلده. وقالت التحقيقات التابعة للسلطات الهولندية في ذلك الحين أنهم توصلوا إلى أن الدكتور عبد القدير خان قد نقل معلومات عالية السرية للاستخبارات الباكستانية، ولكنهم لم يقدموا أي دليل يثبت إن كان الدكتور قد أرسل منذ البداية إلى هولندا كجاسوس أو أنه هو الذي عرض المساعدة على السلطات الباكستانية في ما بعد.

في عام 1976 انضم خان إلى مفوضية الطاقة الذرية، إلا أنه لم يستطع إنجاز شيء من خلالها. وأسس شهر يوليو/ تموز من نفس العام معامل هندسية للبحوث في مدينة كوهته القريبة من مدينة راولبندي العسكرية بعدما أخذ الموافقة من رئيس الوزراء ذو الفقار علي بوتو بأن تكون له حرية التصرف من خلال هيئة مستقلة خاصة ببرنامجه النووي.

في عام 1981 وتقديرا لجهوده في مجال الأمن القومي الباكستاني غير الرئيس الأسبق الجنرال ضياء الحق اسم المعامل إلى معامل الدكتور عبد القدير للبحوث، وأصبحت المعامل بؤرة لتطوير تخصيب اليوارنيوم، حيث عمل خان على العديد من المشاريع لتطوير الأسلحة الباكستانية النووية.

يقول الدكتور عبد القدير خان في إحدى مقالاته، "أحد أهم عوامل نجاح البرنامج في زمن قياسي كان درجة السرية العالية التي تم الحفاظ عليها، وكان لاختيار موقع المشروع في مكان ناءٍ كمدينة كاهوتا أثر بالغ في ذلك. كان الحفاظ على أمن الموقع سهلا بسبب انعدام جاذبية المكان للزوار من العالم الخارجي، كما أن موقعه القريب نسبيا من العاصمة يسر لنا اتخاذ القرارات السريعة، وتنفيذها دون عطلة".

وقام الفريق الباكستاني لمعامل الدكتور عبد القدير خان للبحوث بتصميم النابذات وتنظيم خطوط الأنابيب الرئيسية وحساب الضغوط وتصميم البرامج والأجهزة اللازمة للتشغيل، فيما استغرق العمل على مشروع بناء الآلات النابذة ثلاث سنوات فقط.

امتدت أنشطة معامل خان البحثية لتشمل بعد ذلك برامج دفاعية مختلفة؛ حيث جرى تصنيع صواريخ وأجهزة عسكرية أخرى كثيرة وأنشطة صناعية وبرامج وبحوث تنمية، وأنشأت معهدا للعلوم الهندسية والتكنولوجية ومصنعًا للحديد والصلب، كما أنها تدعم المؤسسات العلمية والتعليمية.

وتعد التجارب النووية الست التي قامت بها باكستان في مايو/ أيار 1998 بمثابة تأشيرة دخول باكستان إلى النادي النووي، وأصبح عبد القدير خان بسببها بطل باكستان الثاني بعد محمد علي جناح مؤسس باكستان، كما أطلقت عليه الصحافة لقب "أبو القنبلة الذرية الإسلامية" .

في العام 1996 نال "نيشان الامتياز" وهو أعلى وسام مدني تمنحه دولة باكستان، وذلك تقديرًا لإسهاماته المهمّة في العلوم والهندسة.

واكتسب خان مكانته كبطل قومي في مايو/أيار 1998 عندما أصبحت جمهورية باكستان رسميا قوة عسكرية ذرية وذلك بفضل اختبارات أجريت بعد أيام قليلة من الاختبارات التي أجرتها الهند.

وفي عام 2004، أقر خان على شاشة التلفزيون بتسريب أسرار نووية إلى ليبيا وكوريا الشمالية وإيران، وبعد احتجاج دولي وتحقيقات، منح الحاكم العسكري آنذاك برويز مشرف، خان عفوا كاملا. ووضع خان قيد الإقامة الجبرية في إسلام أباد منذ العام 2004.

في عام 2009 قضت محكمة بإنهاء وضعه رهن الإقامة الجبرية، ومنذ ذلك الحين، بقي خاضعا لرقابة شديدة، وكان مجبرا على إبلاغ السلطات بكل تحركاته.

توفي الرجل اليوم ودفن في مقبرة إسلام أباد بعد أن صليت عليه صلاة الجنازة في مسجد الفيصل، وقد تم كل ذلك وفق مراسم إعتزاز وطنية كبيرة.