العدد 1463 /26-5-2021

رائد موسى - غزة

برز اسم الدكتور المهندس جمال الزبدة الذي اغتالته إسرائيل رفقة قادة بارزين في كتائب عز الدين القسام، الذراع العسكرية لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، خلال الحرب على غزة.

ولم يكن ارتباط المحاضر الجامعي الستيني خريج الجامعات الأميركية، بالعمل العسكري معروفا حتى لدى أفراد أسرته والمقربين منه، لذلك شكل استشهاده رفقة نجله البكر أسامة وعدد من قادة كتائب القسام أبرزهم قائد لواء غزة باسم عيسى، "مفاجأة" بالنسبة للكثيرين.

رفيقة الدرب ومخزن الأسرار

تقول "أم أسامة" -زوجة الشهيد جمال الزبدة- إنه جاءها يوما ليخبرها بالطريق الذي يسلكه مع المقاومة، وترك لها الخيار، فاختارت بلا تردد دعمه وإسناده، وأن ترافقه في "مشوار الجهاد والمقاومة".

بعد استشهاده، انتشر للدكتور جمال (64 عاما) مقطع فيديو يجمعه بنجله الشهيد أسامة (33 عاما)، وهو يقدّم له هدية بيوم مولده، وكان لافتا قوله "عقبال 100 سنة تقضيها بالجهاد وتكسير رؤوس اليهود".

وتقول أم أسامة إن زوجها الشهيد غرس في نفوس أبنائه وحتى أحفاده الصغار حب الوطن والتضحية من أجله، ورغم أنه كان قليل الكلام، فإن حديثه دائما كان عن المقاومة كسبيل وحيد لتحرير فلسطين.

وتتعهد أم أسامة بإكمال طريق زوجها، وتربية أحفادها على درب المقاومة ضد الاحتلال، حتى تحقيق حلم جدّهم الشهيد الذي ينحدر من أسرة لاجئة من مدينة يافا، بتحرير كامل تراب فلسطين من البحر إلى النهر.

نجل الشهيد عبد العزيز (30 عاما) قال للجزيرة نت إن والده كان كثير القيام خلال شهر رمضان، والدعاء قبيل اندلاع الحرب بأيام وساعات قليلة، بأن يكتب الله له الشهادة، ويقول لنا "القدس مستاهلة التضحية".

ورغم ما ظهر عنه بعد استشهاده كشخصية عسكرية وقائد في المقاومة، فإن عبد العزيز يؤكد أن هذه الشخصية لم تكن ظاهرة على والده في المنزل وفي تعامله مع أسرته ومحبيه، ويقول "كان حنونا رقيقا، ودودا مع أسرته وكل من يعرفه.. يقبل أيدي والدتي وشقيقاتي".

الشخصية العسكرية ظهرت تفاصيلها عقب اغتيال الدكتور الزبدة، الذي وصفته وسائل إعلام إسرائيلية بأنه "صيد ثمين"، وكان يمثل قوة رئيسية في منظومة سلاح حماس، والمسؤول عن إنتاج وتطوير الصواريخ.

وبحسب المعلومات التي بدأت تتكشف عقب عملية الاغتيال، فقد جنّد الدكتور جمال نجله أسامة وعددا من المهندسين للعمل معه في "دائرة التصنيع العسكري"، لتطوير ترسانة حماس بأقل الإمكانيات وباستخدام مواد بدائية متوفرة في غزة المحاصرة، وقد بدا التطور لافتا خلال الحرب الأخيرة عما كان عليه في حرب عام 2014.

والدكتور جمال أستاذ العلوم الهندسية والميكانيكا في كلية الهندسة بالجامعة الإسلامية في غزة، تلقى تعليمه الجامعي في الولايات المتحدة الأميركية، وله أبحاث علمية محققة تتعلق بتطوير محركات الطائرات، وهي منشورة في مجلات علمية مرموقة.

تقول أسرته إنه عمل في وكالة ناسا بالولايات المتحدة، إلا أنه قرر عام 1994 العودة إلى غزة، بحثا عن دور في خدمة وطنه وشعبه.

انضم الزبدة عام 2006 للعمل في تطوير القدرات العسكرية لكتائب القسام، وكان مدى صواريخها في ذلك الحين لا يتعدى 30 كيلومترا، لتفاجئ الجميع خلال الحرب بصواريخ تغطي مساحة فلسطين التاريخية.

وفي الحرب الثانية عام 2012، حاولت إسرائيل اغتيال الزبدة وفشلت، وكانت محاولة الاغتيال بالنسبة للكثيرين مفاجئة، ولم يتم ربطها في حينه بقيمته العسكرية التي ظهرت عقب اغتياله كمسؤول عن دائرة التصنيع العسكري في كتائب القسام، وتطوير برنامج الصواريخ والطائرات المسيّرة.

ونشرت وسائل إعلام عبرية، نقلا عن جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي، أن الزبدة كان أبرز خبراء البحث والتطوير في حماس.

ترسانة صاروخية

وكشفت الحرب على غزة عن تطور كبير ولافت في قدرات حماس الصاروخية، بادخال ذراعها العسكرية -كتائب القسام- أنواعا جديدة من الصواريخ إلى الخدمة، تتمتع بمدى أكبر وبقدرة على حمل رؤوس متفجرة ذات قوة تدميرية عالية.

وأظهرت حماس -بشكل أساسي وكأكبر فصيل في "الغرفة المشتركة" لفصائل المقاومة- قدرة ملموسة في المحافظة على إطلاق أكثر من 4 آلاف صاروخ على مدى 11 يوما من الحرب، وبشكل يومي، وبمديات مختلفة وقدرات تدميرية عالية.

وكان صاروخ "عياش 250" هو أحدث الصواريخ التي كشفت عنها كتائب القسام وأدخلتها إلى الخدمة خلال الحرب، وهو يحمل اسم يحيى عياش -أحد أبرز قادتها- الذي اغتالته إسرائيل عام 1995، ويصل مداه إلى 250 كيلومترا، وبقدرة تدميرية كبيرة.

وتبدي أسرة الزبدة فخرا باتهامات إسرائيل للدكتور جمال بأنه كان أحد أبرز المسؤولين عن تطوير هذه المنظومة الصاروخية.