العدد 1528 /14-9-2022

للشيخ: عصام تليمة

الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح قامة مصرية مهمة على عدة مستويات، سواء على المستوى السياسي، فمنذ كان طالبا يشهد العمل السياسي والساسة على مواقفه، منذ وقفته المشهودة أمام الرئيس الراحل السادات، بكل شجاعة يعبر عن موقفه ورأيه، مما سبب له متاعب ومشاق فيما بعد، حتى حرم من تعيينه معيدا بكلية الطب، وهو قيادي سياسي ترأس وأنشأ حزب مصر القوية بعد ترشحه للرئاسة، وأداء أبي الفتوح السياسي معروف ومشهود له ولا مجال للإسهاب فيه.

وهو قامة نقابية في المجال الطبي والمهني، فقد كان منذ شبابه عضوا نشطا في نقابة الأطباء المصرية، ثم بعد ذلك تم ترشيحه أمين عام اتحاد الأطباء العرب، وقد تم انتخابه من كيانات طبية ينتمي معظمها لتيارات يسارية وعلمانية، بما يدل على ثقتهم به، وبإنصافه وعدالته، ومهنيته.

وعلى مستوى المجال الإنساني المحلي والإقليمي والدولي، فهو قامة معروفة كذلك، سواء على المستوى المحلي في مصر، فقد خدم من خلال موقعه النقابي وغيره، في مجالات العمل الإنساني في مصر، سواء من حيث ترتيب الحملات الطبية للقرى الفقيرة في مصر، وقد كان آخرها علاج المياه البيضاء التي على العين، والتي تفقد عددا كبيرا من الرجال فرصة العمل، مما يحرم أسرته من مصدر الرزق، فقد كان يسعى بدأب شديد لحث المتبرعين على ذلك، وتم عمل آلاف العمليات، وإنقاذ آلاف الأسر المصرية من العوز والفقر، ومد اليد.

وهو قامة في العمل الإسلامي الوسطي المعتدل، الذي شهد له بذلك القاصي والداني، أنظمة وشعوب، فطوال عمره كان يأبى العمل العنيف، أو اتخاذه وسيلة للتغيير، ولم يعرف عنه طوال تاريخه تبنيه للعنف، أو التشدد، بل كان ضمانة مهمة وقوية في العمل الإسلامي من الانحراف نحو التشدد أو العنف، يشهد بذلك فكره وحواراته، وعمله وعطاؤه طوال أكثر من نصف قرن في العمل الإسلامي.

قدمت بهذه التقدمة والتي لا تفي بحق أبو الفتوح، لما أصابنا جميعا من صدمة جراء ما يتم معه من التنكيل والقتل بدم بارد منذ سنوات، وما أعلنه نجله أحمد، عن أن والده كتب لهم وصيته، فكتب يقول: (أبويا في جواب النهاردة كتب وصيته وقال: إن حالته الصحية كما هى داعيًا الله بحسن الخاتمة، احنا أخدنا بكل الأسباب والسبل لرفع الظلم عنك، ووقف الانتقام منك وقتلك بدم بارد، من ناس متعرفش معنى الشرف، فاستودعناك الله أرحم الراحمين، ربنا يلطف بك وينجيك).

من يظن أن هذا النظام يمكنه التفاوض أو الحوار، بما أعلنه باسم الحوار الوطني أو السياسي، هو كلام فارغ، وإن تم العفو عن بعض حالات، يشكر من سعى لفك أسرها، أو كان سببا في ذلك، لكنه يظل عملا تحت سقف لن يتجاوزه، لأن السيسي عقليته عقلية عسكري مغلول، امتلأ قلبه بسواد الانتقام لكل من يخالفه، ولا يرى أي مساحة لتعارضه، أو تناقشه، فضلا عن ألا توافقه بنسبة ما صغرت أو كبرت.

ليست الصدمة هنا في كتابة أبو الفتوح وصيته، بل الصدمة في ردود الفعل منها، فالتعاطف والألم كان على مستوى التواصل الاجتماعي من فئات محدودة، بينما على المستويات التي ذكرنا إسهاماته فيها لم نر منها موقفا واضحا ومحددا تجاه الرجل في هذه المحنة الخطيرة التي يخطط النظام لتودي بحياته.

فعلى مستوى العمل النقابي، لم نر من نقابة الأطباء أي تحرك تجاه الرجل، وهو طبيب، ولم نر لاتحاد الأطباء العرب الذي ظل أمينا عاما له لسنوات طويلة، أي موقف ولو حبر على ورق، ولم نر أي حزب سياسي، يتخذ موقفا، وبخاصة الأحزاب التي تكونت بعد ثورة يناير، والتي كانت علاقة أبو الفتوح وحزبه بهم طيبة. وعلى المستوى الحقوقي لم نجد لأي منظمة حقوقية مصرية، ولا مجلس حقوق الإنسان، ولا ناشطين في المجال الحقوقي في مصر، يقومون بأي جهد يذكر تجاه الرجل، وإنقاذ صحته، من هذا المخطط المجرم تجاه حياته. ما يتم مع أبو الفتوح هو رد واضح وقوي من نظام يعلن بكل وضوح موقفه من كل صاحب موقف سياسي لا يوافقه أو يؤيده مائة في المائة، فقد كان أبو الفتوح ضمن من حضروا بدايات جلسات ما بعد 3 يوليو، ثم بعد ذلك عندما حدثت مذبحة الحرس الجمهوري أنكر ذلك بوضوح، مما جعل العسكر يحسبه على الخصوم لا الموافقين.

هي رسالة واضحة من هذا النظام، أنه يمكن أن يغض الطرف عمن قتل، أو أجرم، أو اقترف كل مخالفات القانون وفي رسالة أوضح، أن من يظن أن هذا النظام يمكنه التفاوض أو الحوار، بما أعلنه باسم الحوار الوطني أو السياسي، هو كلام فارغ، وإن تم العفو عن بعض حالات، يشكر من سعى لفك أسرها، أو كان سببا في ذلك، لكنه يظل عملا تحت سقف لن يتجاوزه، لأن السيسي عقليته عقلية عسكري مغلول، امتلأ قلبه بسواد الانتقام لكل من يخالفه، ولا يرى أي مساحة لتعارضه، أو تناقشه، فضلا عن ألا توافقه بنسبة ما صغرت أو كبرت.