الشيخ نزيه مطرجي

الزواجُ في الإسلام عَقْدٌ وَثيق وميثاقٌ غَليظ، ورباطٌ مُقَدَّس، سَداهُ المودَّةُ، ولُحْمَتُه الرّحمة، لا يَحِلُّ أن يُنْقَضَ عَهْدهُ، او تُفْصَمَ عُراه، إلا بما شَرَعَهُ الله وقَضاه.
والبيتُ الزوجي يُصانُ بِالتَّقْوى، وَيُحْصَنُ بِحُسْنِ الخُلُق، وإنّ أقْصَر تعريفِ للتَّقْوى هو أن لا يَراك الله حيث نَهاك، وأن لا يَفْقِدَكَ حيثُ أَمَرَك.
وقد سُئلَ رسُول الله صلى الله عليه و سلم عن أكثر ما يُدخِل النّاسَ الجَنَّة، فقال: «تقوى الله وحُسْنُ الخُلق». رواه الترمذي.
إن الناس إذا فَرَغوا يومَ القيامةِ من موقف نَشْرِ الصُّحُف وأَهوالِ الحِساب، يُساقونَ إلى وَزْنِ أَعمالِهم بموازينِ القِسْط لِيأْخُذَ كلُّ واحدٍ من العِباد جزاءَ ما عمِل من خير أو شَرّ، فلا تُظْلَمُ نفسٌ شيئاً وإن كان مِثْقالَ حَبَّةٍ من خَرْدَل، أو ذَرّةٍ من تُراب!
وأَعْظَمُ الأَعمال يَوْمَذاك ما تثْقُل به الموازين، وما من شيءٍ يوضَعُ في الميزان هو أثقل عند الله من الخُلُقِ الحسن: {فمن ثقُلَتْ موازينُهُ فأولئك هم المفلِحون} الأعراف-8.
إن المؤمنَ الصادقَ يَحْرصُ على فِعْل ما يُرَجَّح به ميزانُه من أقوال وأفعال وخِصالٍ، وأَوَّلُ ما يَتَجلّى ذلك في داخِلِ سِرْبِهِ مع أَهْلِه وأولادِه، بل إن حالَ الرَّجُل في بيته هو المقياسُ الذي يُعْرَفُ به النّاس. لقد ورد في التنزيل العزيز وصِيَّةٌ جامعةٌ خوطِبَ بها الأَزْواجُ في معاملتهم لِأَزْواجهم، وذلك في قول الله تعالى: {وعاشروهُنّ بِالمعروف فإن كَرِهْتُموهنّ فعسى أن تَكرَهوا شيئاً ويَجْعلَ اللهُ فيه خيراً كثيراً} النساء – 19. أَمَرتِ الآيةُ الزَّوجَ بِحُسْنِ الـمُعاشَرة في شتّى الجوانبِ المادية والخُلُقية والسُّلوكية والرّوحية، وأَوجَبَت عليه الصَّبْرَ على زوْجتِه، وأن لا يَفْرِكهَا (أي لا يَكْرَهُها)، فإنْ كَرِهَ منها خُلُقاً رَضِيَ منها آخر.
لقد أَلَحَّ النبيُّ صلى الله عليه و سلم على تَوْصيةِ الرِّجال بالنساء، فأوصى بهنّ في حديثٍ واحدٍ مَرَّتين: في مُسْتَهْلّهِ ومُنْتَهاه، فقال: «اسْتَوْصوا بالنِّساء خيراً فإن المرأة خُلِقَت من ضِلعٍ، وإن أَعْوَجَ ما في الضّلعِ أَعلاه، فإن ذَهبْتَ تُقيمُهُ كَسَرْتَه، وإن تَرَكْتَهُ لم يَزَلْ أَعْوَج، واستَوْصوا بالنساء خيراً» متفق عليه. وفي خُطْبةِ الوداع التي أَراد النبيّ صلى الله عليه و سلم أن يُبَلِّغ فيها الأُمة جَمْعاء خُلاصةَ كلامه وعُصارَةَ مواعِظِه قال لهم: «اسْتَوْصوا بالنِّساء خيراً فإنهن عَوانٍ عِندَكم» (أي أسيرات)، وودّع النبيُّ صلى الله عليه و سلم الحياة وهو يوصي بالنساء.
إن حسن مُعاملةِ الرِّجال لِأَزْواجهم في البيوت حيث يَنْطَلِقون على سَجِيَّتِهم بِلا تَصَنّع ولا خداع هو من تمام كَمالِ الإيمان، وإنّ خيار المؤمنين خِيارهم لِنسائهم. إذا أراد المرءُ أن يكونَ آمناً في سِربهِ، سعيداً في عيْشِه، بعيداً عن النَّكَدِ والشَّقاء، والنِّزاع والشِقاق، فلْيَبْتَعِدْ عن كُلِّ ما يكون سَبباً للصِراع، وواسطةً للشِّجار، ولا بُدَّ له من أن يُغْضي عن بَعْضِ الهَنَات، وأن يتجاوزَ عن كثيرٍ من الزَّلَّات، وأن لا يَسْتقصي في كل شَيء، فالكريم لا يستقصي، وهذا ما يُقَوّي أَسباب الأُلفة والمحبَّة، ويُحْيِي عاطِفة المودَّة والرّحمة.
يُرْوى أن أحد الصالحين ابتلاه الله تعالى بامرأةٍ ناشِزٍ، إذا طلب منها طَلَباً عَاكَسَتْه، وإذا أَمَرها خالَفَتْهُ، إذا قال لها أنا وأنت على نوائب الدَّهْر، قالت له: أنا ونوائِبُ الدّهر عليك! ماذا عساهُ يَفْعَل؟ قال له صاحبه: ما ضَرّ لو طَلَّقْتَها؟ قال الرجل: أَخْشى إن أنا طلَّقتُها أن يُبْتَلى بها غيري فَتُؤذِيَهُ، ومعاذَ اللهِ أن أَكونَ سَبَباً في بَلاء عبادِ الله ! قال له صاحبه: ماذا ستفعل إذاً؟ قال: سأصبرُ على سوء خُلُقها فإني سمعتُ أن سَيّدي رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: «أَيُّما رجلٍ صبر على سوء خُلُقِ زَوْجَتِهِ أعطاه الله مِثلَ ما أعطى أَيوبَ في بلائِه، وأَيُّما امرأةٍ صَبَرت على سوء خُلُق زَوْجها أعطاها الله مِثْلَ ما أعطى آسيةَ امرأةَ فِرعون»، وليس حُسْن الخُلُق مع الزوجة كَفُّ الأَذى عنها فحسب بل احتمال الأذى منها، والحِلْم عليها عند طَيْشِها وغضبها بأن يَسَعَها بخُلقِه الرَّضِيّ وحِلْمِه الهَنِيّ، اقتداءً بالنبي الأكرم [.
فقد كانت زوجاتُه يُراجِعْنه الكلام، وتَهْجُرُهُ إحداهُنَّ اليومَ إلى الليل! 
للهِ دَرُّ إِماءِ الله الصَّابرات الّلاتي اْبتُلين بِأكبادٍ جَرْحى وقلوبٍ قَرْحى من ظُلم شِرارِ البُعول، وبَغْيِ غِلاظِ العُقول، أولئك قومٌ تَجافَوا عن صَريح القرآن، وهَدْيِ سَيِّد الأنام، فاتقوا الله في نسائِكم، واسْتَجيبوا لِوَصِيّة رَبِكم الذي يَدْعوكُم لما يُحْييِكُم.