الشيخ نزيه مطرجي

إن خزائنَ الله ملأى لا تغيض، والسماء سحّاء لا تشِحّ، والأرضُ مِعطاءٌ لا تنْضَب، ولكن الله تعالى قضى أن يقسِم بين عِباده معيشَتهم في الحياة الدنيا فقال عز وجل: {ولو بَسَط اللهُ الرِّزق لعبادِه لَبَغَوا في الأرضِ ولكنْ يُنزِّل بقدَرٍ ما يشاء} الشورى-27.
فالله تعالى شاءَ أن يبتليَ الناسَ فيما آتاهم، فيخْتَبِروا الأغنياءَ المَياسِير في  شُكرهم على النَّعماء، وإنفاقِهم ما استُخلِفوا فيه، ويختبر الفُقراء المساكين في صبرِهم في البأساء، ورِضاهم بما قُسِم لهم.
إن نِعَم الله السَّابغة الظاهرة والباطنة لا تُحابي أحداً، فلا تُحالِف أقواماً ولا تُخاصم آخَرين، والله تعالى لا يظلم أحداً، ولكن الناسَ أنفُسَهم يظلِمون.
وممّا استعاذ منه النبيُّ صلى الله عليه وسلم من صُنوف الضُرِّ والشَّر: الجوع والفَقر، فكان يقول: «أعوذ بالله من الكُفر والفقر» ويقول: «أعوذ بكَ من الجوع فإنه بئس الضَّجِيع، وأعوذُ بكَ من الخِيانة فإنها بِئْسَتِ البَطانة» رواه النسائي.
ففي الأول عَدَلَ الكفرَ بالفَقر، وفي الثاني عدل الخيانة بالجوع! وإنه لا يُستَعاذ إلا من شيء شأنُه خطير، وضُرُّه مُسْتَطِير.
إنه لا مَندوحَة من أن يُعِينَ الأغنياءُ الفُقراءَ، وأن يَعْطِفَ المَيْسُورون على الُمعسِرين، وأن يكْفَل أولو النِّعَم المحرومين، ففي المال حقٌّ سوى الزكاة، وإنَّ الأغنياءَ مُكلَّفون بأن يرضَخُوا مما رزقهم الله (يُعطوا)، وقد ورد في الحديث: «إن الله فرَض على أغنياءِ المُسلمين في أموالِهِم بالقَدْرِ الذي يَسَع فُقَراءَهم، ولن يجهَد الفقراءُ إذا جاعُوا وعَرَوْا إلاّ بما يصنعُ أغنياؤهم، ألَا وإن الله يُحاسِبُهم حِساباً شديداً، ويُعذِّبُهم عذاباً أليماً» رواه الطبراني.
وحينما طُعِن الخليفة عُمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يشغله جُرحُه الذي يسخَبُ عن النَّظرِ في مصالح الشعب، ولم يُذهِلهُ قُربُ الأجل عن التفكير في صالح العمَل، فقال: «لو استقبلْتُ في أمري ما استَدْبَرت لأخذْتُ مِن الأغنياء فُضولَ أموالهم فرددتُها على الفقراء» رواه ابن حزم.
إن عِوَز الفُقراء يَسُدُّه بلا رَيب بَذْلُ مال الأثرياء، بل فضْلُ مالِ الأغنياء!
إن المؤمنَ الصَّالح مهما يكُنْ قليلَ المالِ ضَعيفَ ذاتِ اليدِ فَغِناهُ في قلبِه، وثَرْوتُه في حِكمَتِه وتفوّقُه في بَذْلِه وإنفاقِه!