الشيخ نزيه مطرجي

إنَّ مِن أسبابِ البَلاء والهَلاك، والشَّقاء والهَوان، مخالفةَ أوامِر سيِّدِ الأنام صلى الله عليه وسلم، والتحوُّل عن سُنَّتِه وآدابه، وهَدْيِه وتعاليمه، إلى متابعةِ كلِّ ناعِق عَنيد، والإصغاء إلى كل شَيطان مَريد، وفاعِلُ ذلك يَستَحِقُّ من اللهِ التَّهديدَ والوَعيد. يقول الله عز وجل: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِين يُخالِفونَ عن أمْرِهِ أن تُصيبَهم فِتنةٌ أو يُصيبَهم عذابٌ أليم} النور-63، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «وجُعِل الذُّلُّ والصَّغار على مَن خالَف أمري» أخرجه أحمد.
إن النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم قد شدَّد النَّكير على تشبُّه المسلمين بأهل الفُسوق والفُجور، وتقليدهم في سيِّئ الفِعال وقَبيحِ الخِصال، فقد جاء في الحديث الشريف: «مَن تَشبَّه بقومٍ فهو منهم» أخرجه أحمد.
ولكن التَّنبيه والوَعيد ما زادَ المُقلِّدين والمُبتدِعين إلا إعراضاً، وما زادهم إلا نُفوراً، فقد نَبَتَت نابتةٌ ذَليلةٌ مُستَعبدة دَأبُها ودَيدَنُها التشبُّه بأهل الضَّلال والابتداع والاستِدلال لهم، فهم يَخضَعون لتقليدهم ومُحاكاتِهم، ويَتَوَّهمون أنَّ التَّجديد في الابتداع، وأنَّ الجُمود في الاتِّباع، ويَغيب عن فُهومِهم أن تقاليد الناس غيرُ تعاليم الإسلام، بل هي مُعارضةٌ له في كثير من الأحيان!
ورَدَ في التفسير أن المؤمنين من بني إسرائيل الذين خَرجوا من مِصر مع نبيِّ اللهِ موسى عليه السلام، ما كادَتْ أقدامُهم تَطَأُ أرضَ اليابسةِ حتى أَتَوا على قومٍ يَعكِفون على أصنامٍ لهم فقالوا لنبِيِّهم: {يا موسى اجعَل لنا إلهاً كما لهم آلهة قال إنكم قومٌ تَجهَلون. إن هؤلاء مُتَبَّرٌ ما هُمْ فيهِ وباطِلٌ ما كانوا يَعمَلون} الأعراف 138-139. وقد وقع بعضُ المسلمين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم في ما يُشبه هذا الموقف. فقد ورد في السيرة النبوية أنه في خُروج الرسول صلى الله عليه وسلم إلى حُنَين، رأى جُهَّال العَرب شجرة خضراء للكفار تُسَمى ذاتُ أنْواط، يَنوطون بها سِلاحَهم (يُعلِّقونَه) ويُعظِّمونها في كلِّ سنةٍ يوماً، فقالوا يا رسول الله اجْعلْ لنا ذاتَ أنْواط كما لهم ذاتُ أنواط، فقال: الله أكبر! قُلتُم والذي نفسي بيده كما قال قومُ موسى: {اْجْعَلْ لنا إلهاً كما لهُم آلِهة، قال إنكم قومٌ تَجهلون}، ثم قال صلى الله عليه وسلم: «لَتَركَبُنَّ سَنَن مَن قبلَكم حَذْوَ القُذَّة بالقُذَّة (ريشُ السَّهْم) حتى لو دخلوا جُحرَ ضَبٍّ لدَخلْتُموه» (تفسير القرطبي).
كم فينا من أقوامٍ بَطَرت مَعيشتها فاستخفَّ أهلُها بالنِّعَم، وتَجافَوا عن  الأحكام والسُّنَن، وهَجروا من الآداب كلَّ حميدٍ وحَسَن، وسقطوا في مَهاوي الجَهالة والفِتن، وارْتَكَسوا في عاديات المِحَن، حتى غزت دُورَنا ودِيارنا مَوجاتٌ مُستَغرَبة من التقاليد والعادات؛ فإذا استَعرَضْتَ وقائع حياة المسلمين صدَمَتْك سلاسِلُ من العاداتِ غير الحَمِيدة والبِدَع غير الحَسَنة تُطوِّق الأيدي والرِّقاب، وتُحيِّر أولي الألباب والأبصار: في بِدَع الجَنائز وأشكال الحِداد، وفي بِدع مُنكرات الأعراسِ والأفْراح، وفي مَحاذير التَّبرُّج والاختِلاط، وفي محظورات الخُطوبات والخَلَوات، وفي مقادير المُهور بين البَخْس والمُغالاة، وفي حُرمة التفريق بين البنين والبنات، وفي سوء مُعاملة الآباء والأُمَّهات، وفي فساد العلاقات مع ذوي القُربى والأرحام، وفي تشبُّه النساء بالرِّجال والرِّجال بالنِّساء، وفي تحريفِ المَواريث والوَصيّات.. وغيرها وغيرها..
يجب أن تتضافَر الجُهود لدَفع أخطار تلك العادات المَرْذولة الوافِدة إلينا من مُجتمعاتٍ غَربية، أو مَوْرُوثات جاهلية، ولصَدِّ رَواجِ العِبادات المُبْتَدَعة المَحظورة الشّائعة على ألسُن الناس، كقولهم: (هلَك الناس!)، (ما شاءَ اللهُ وشاءَ فُلان)، (لولا اللهُ وفُلان!)، (أنا مُتوَكِّلٌ على الله وعلى فُلان!)؛ والحلِفُ بقوله: وحياتِك، والحلِف بالأولاد، والحلِف بغير الله، وقول الرَّجُل لأخيه: يا كافر! وسبُّ الدِّين! وسبُّ الرِّيح وسبُّ الحُمّى وسائر الأمراض..
إن هذا مما تُوَسْوِس به الشياطين للمؤمنين الجاهلين، وهذا هو الداء الذي ألمَّ بالكثيرين باتِّباع المُبتَدعة وتقليدِ الجَهَلة والفَسَقة حتى جَمَدت الأذْهان وتَبلَّدت المَدارك، وأصبحَت عُقول أولئك في سجنٍ مُظلِم لا تَطْلُعُ عليه الشَّمس، ولا يَنفُذ إليه الهَواء..
فهيّا املأوا مَحابِركم، وأَشْرِعوا أقلامَكم، وسَوِّدوا القَراطيس وانشُروا الطُّروس (الكتب) لتنوير الرؤوس وإيقاظ النُّفوس، والسّير إلى إرضاء الملِكِ القُدُّوس!
رُوي أن صحابيّاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم: بأي آية قُلتَ شَيَّبَتْني هودٌ وأخَواتُها؟ قال: بِقَول الله تعالى: {فاستقِم كما أُمِرتَ ومَن تابَ معك} هود-112، فاستقيموا يَرحَمُكُم الله ولا تبتَدِعوا!