بقلم: أواب إبراهي

إما أن لبنان يعيش مرحلة غير مسبوقة من تفلت السلاح والاستهتار الاجتماعي، وإما أن الهموم التي كانت تحتل المشهد في السابق كانت تحجب الرؤية عن الوضع المتهتك الذي يعيشه اللبنانيون. فما بتنا نسمعه ونشاهده كل يوم في نشرات الأخبار ويحتل صفحات الجرائد يشي بأن الوضع الاجتماعي بات قنبلة موقوتة ومن الخطر استمراره، ويجب على المسؤولين إلى جانب اهتمامهم بتفصيل قانون الانتخاب على قياسهم، أن يصرفوا بعض جهدهم لمعالجة الحوادث الأمنية المرعبة التي تقع كل يوم. وسائل الإعلام بدورها لم تعد قادرة على حشر الأخبار الأمنية والحوادث الفردية ضمن ملفات نشراتها الإخبارية، فصارت تخصص لهذه الأحداث صفحات خاصة في الصحف، وملفات مستقلة في النشرات الإخبارية. 
هناك قطبة مخفية، وسبب غامض يقف وراء هذا التهتك الاجتماعي واستسهال القتل والإيذاء بين اللبنانيين. فلو كان للأمر بعد طائفي لكان الأمر مفهوماً، ولو كانت الأحداث نتيجة تشنج وتوتّر سياسي لكان الأمر منطقياً، فلطالما استغل أمراء الطوائف من الطبقة السياسية عواطف اللبنانيين لتمرير مصالحهم والضغط على الطرف الآخر. لكن الأوضاع السياسية مستقرة، والنفوس مرتاحة والأوضاع «عال العال» نسبياً، فكيف يمكن تبرير الضغط النفسي الكبير الذي يعيشه اللبنانيون تجاه بعضهم بعضاً، وكيف يمكن فهم استسهال قتل بعضهم وإيذاء بعضهم، وفي أحيان أخرى إيذاء أنفسهم؟ كيف يمكن فهم أن ضابطاً في جهاز أمني يلاحق سيارة ويقطع الطريق على صاحبها وينهال عليه بالضرب، فقط لأنه لم يفسح له الطريق؟ كيف يمكن استيعاب أن خلافاً بين بائعي خضار على مكان البسطات في السوق يستدعي حشد كل طرف عصابة من حوله ونشوب اشتباكات بين الطرفين؟ كيف يمكن القبول بأن شوارع لبنان تحصد كل يوم في طرقاتها عدداً من الضحايا؟
وزير الداخلية سلط الضوء في الآونة الأخيرة على خطورة ما يجري، واستغل تفلّت السلاح للمطالبة بإعادة تفعيل تطبيق عقوبة الإعدام. هذه العقوبة التي ما زالت سارية قانوناً، لكن تطبيقها معلق منذ سنوات. من الواضح أن وزير الداخلية يعاني من تراجع كبير في مستوى المستشارين المحيطين به، الذين لا يملكون الوعي المطلوب والفهم والإدراك والابتكار. فقد اكتشف وزير الداخلية أن ضبط الأمن ومواجهة تفلت السلاح يكون بإعدام المخالفين، ولم ينتبه إلى أن تفلت السلاح واستهتار اللبنانيين قد يكون سببه الاستنسابية في تطبيق القانون عليهم، فتغض الأجهزة الأمنية والقضائية النظر عن مجرمين، وتسلط أضواءها على مخالفين. يريد تطبيق الإعدام بالتزامن مع انتشار مقاطع مصورة على وسائل التواصل الاجتماعي لعشرات اللبنانيين يقومون بإطلاق زخات الرصاص والقذائف في الهواء في منطقة البقاع احتفاء بإطلاق سراح متهم بجرائم نصب واحتيال وتبييض أموال، دون أن تحرك الأجهزة الأمنية ساكناً ودون أن نسمع صوتاً لوزير الداخلية. وجد معاليه أن تطبيق الإعدام سيؤدي إلى ضبط الأمن، ولم يدرك أن تفلت السلاح تكون معالجته بمعالجة الأسباب التي أدت إليه. 
فضبط الأمن يكون أولاً بإيجاد عمل لآلاف اللبنانيين الذين يعانون من البطالة فيقضون نهارهم بالنوم وليلهم على ناصية الطرق وزوايا الأزقة حول سيارة (نصف نقل) تبيع القهوة والنسكافيه. ضبط الأمن لا يكون بتطبيق الإعدام على المخلين بالأمن، بل بمواجهة شبكات الاتجار بالمخدرات وحبوب الهلوسة التي تفتك بالشباب اللبناني وتدفعهم لارتكاب الجرائم دون إدراك ما يفعلون. هؤلاء الشباب يجب أولاً إنقاذهم من كبوتهم قبل التفكير في كيفية إعدامهم. ضبط الأمن لايكون بحجز دراجة نارية لأن صاحبها لايعتمر خوذة على رأسه، بينما هو لا يملك المال لشراء سيارة.
وزير الداخلية ملك الأمن الوقائي، وهو قاد حملات أمنية وقائية واستباقية، الأمر نفسه مطلوب منه اليوم، بأن يقود حملة استباقية لوقف التفلت الأمني بين اللبنانيين، ويكون ذلك بسحب صواعق التفجير ليس من الأسلحة التي يحملها اللبنانيون في أيديهم، بل سحبها من نفوسهم، وزرع الأمل في قلوبهم بأنه ما زال في لبنان سبب يستحق العيش من أجله.>