العدد 1397 / 22-1-2020

في موعد أقرب من الذي قطعه على اللبنانيين، نجح الرئيس حسان دياب بتشكيل حكومته. مدة قياسية نظراً إلى المدد التي كان يستغرقها تشكيل الحكومات السابقة، لكن الفارق، أن تلك الحكومات كانت تتشكل من جميع أو معظم القوى السياسية المتناقضة والمتنافرة، وكان يتطلب التشكيل إرضاء الخصوم وتدوير الزوايا، بعد سعي كل طرف للاستحواذ على ما لا يستحق، بينما الحكومة الحالية، غاب عنها الخصوم واستقر الأمر على الحلفاء. رغم ذلك طفا على السطح خلافات وتنازع للحصص وتناتش للحقائب وتبادل للاتهامات، توّجها رئيس تيار المردة سليمان فرنجية باتهام رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل بالجشع والطمع.

لكن بعيداً عن كل المخاض الذي حصل خلال الأسابيع الماضية، نجح حسان دياب باقتحام نادي رؤوساء الحكومات رغماًعن ساكنيه، وانتزع كرسياً له داخل هذا النادي الذي حرص من سبقه على عدم إدخال إلا من ينال الرضى. فاجتاز دياب العقبة الأولى بتشكيل الحكومة، وحاز لقب "دولة الرئيس" الذي سيلازمه سواء نالت حكومته ثقة المجلس النيابي أم لم تنل.

حكومة كانت كما كان متوقعاً لها. فرغم تأكيد الرئيس دياب في كلمته التي سبقت إعلان تشكيل الحكومة على استقلالية وزراء حكومته، وتشديده على أن الوزراء لن يكونوا مرتبطين بحزب أو قرار سياسي، فإن التقسيمة السياسية للوزراء معروفة ولا تحتاج لكثير ذكاء. لكن عدم استقلالية الحكومة لاينفي صفة الاختصاصيين، حيث أن نسبة مقدرة من أفرادها من حملة الشهادات العليا ويدرّسون في أبرز الجامعات. علاوة على أن عدم استقلالية الوزراء لايعني بالضرورة عدم نزاهتهم أو قلّة كفاءتهم، لكن أقلّه يعني أنها لم تستجب لأبرز ما طالب به الشارع وهو حكومة اختصاصيين مستقلين.

حكومة سعت لتكون جامعة تتسع مختلف القوى، لكن بعض القوى استبعدت نفسها ونأت بنفسها عن المشاركة. بعضهم تجنّب المشاركة في حكومة يقول إنها ستدير تفليسة البلد، وستشرف على الانهيار الاقتصادي والنقدي، رغم أن هذا البعض كان في مقدمة صفوف من أوصل البلد للواقع الاقتصادي والنقدي الذي يعاني منه اللبنانيون. بعضهم الآخر استبعد نفسه بعدما عانى الإهمال والإقصاء في الحكومة السابقة، ووجد في المعارضة مكاناً أرحب له لمشاكسة حكومة يتم تهميشه داخلها. لكن الأكيد أن الرئيس دياب سعى لاشراك الجميع في حكومته، كما سعى لتشريك ناشطين من الحراك الشعبي، لكنهم تعرضوا لحملات تخوين، فكان طبيعياً اعتذار كل من اقترحهم دياب للتوزير.

ليس منتظراً من حكومة دياب أن تجترح المعجزات، أو أن تنجح بحلّ أزمات تسببت بها السلطة خلال ثلاثين عاماً خلت. كما ليس منتظراً من دياب أن يحمل عصا سحرية، ويرمي تعويذته على القضاء فيصبح مستقلاً، وعلى الإدارة فتصبح نزيهة، وعلى اللبنانيين فتذهب عنهم الطائفية. ليس منتظراً من الحكومة أن تعيد الوضع الاقتصادي والنقدي إلى ما قبل 17 تشرين، لكن المنتظر منها أن تقوم بقوننة الفوضى النقدية الحاصلة، والاستنسابية المخالفة للقانون والتعسف الذي تمارسه المصارف بحق المودعين. المنتظر من دياب أن يقدم روحاً إيجابية في ظل الأجواء القاتمة السائدة. فسواء كانت حكومة دياب جيدة أم لا، فإن أي حكومة مهما كان شكلها هي حتماً أفضل من الفراغ، ومن تقاعس حكومة يفترض بها تصريف الأعمال وتسيير شؤون العباد. لذلك، لاخيار أمام اللبنانيين سوى منح حكومة حسان دياب فرصة تقديم ما لديها، ليس مجاملة لرئيسها، بل لأن الوضع لايحتمل، والفراغ نتيجته المزيد من الأزمات.

هذا لايعني التسرّع، لكنه يعني العمل الجاد لمعالجة مشكلات لاتحتمل التأخير، عدا عن أن المترصدين بالحكومة كثر، وهم ينتظرونها "على الكوع".

أوّاب إبراهيم