أواب إبراهيم

هل من داع لاستمرار المحكمة الدولية؟!

بقلم : أوّاب إبراهيم

موقف كبير ومسؤول أعلنه رئيس الحكومة سعد الحريري من على مدخل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في لاهاي. الحريري قال بوضوح ﺇن من يكون في موقع المسؤولية -كما هو حاله- عليه أن يضع مشاعره جانباً، وأكد كذلك أن ما يجري في المحكمة لن يؤثر في الأوضاع الداخلية اللبنانية ، وأنه سيسير على خطى والده الرئيس رفيق الحريري , الذي "سعى في كل مراحل حياته وراء الاستقرار والهدوء في لبنان والنهوض به"، مؤكداً أن قَدَر اللبنانيين أن يعيشوا مع بعضهم.

لايسع المرء إلا أن يقدّر ويحترم موقف الحريري الذي تحدث فيه بمسؤولية عالية , وتجاوز موقعه كابن للضحية، وتمسك بمنطق المسؤول الحريص على لبنان، ولو كان ذلك يتطلب التجاوز عن الجراحات والآلام الخاصة.

منذ بداية تشكيل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، رفع الحريري ومعه كل فريق من كان يطلق على نفسه اسم قوى 14 آذار , لواء "الحقيقة لأجل لبنان"، وأن الهدف من المحكمة الدولية هو معرفة المسؤولين عن جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه وجرائم الاغتيال التي تلتها ومعاقبتهم. كان ذلك قبل 13 عاماً، وكان يعتقد اللبنانيون أن الأمر سيكون سريعاً. لكن الظروف تغيّرت، وموازين القوى تبدّلت، وأزمات كثيرة عصفت بلبنان والمنطقة، وخلال هذه السنوات بانت ملامح "الحقيقة" المطلوبة وانكشفت معظم تفاصيلها. لكن المفارقة أن الذين خاضوا المعارك للوصول إلى "الحقيقة" لا نجدهم اليوم معنيّين بنتائجها، وربما باتت عبئاﹰ ثقيلاً عليهم، ولو كان بإمكانهم التخلص من المحكمة وتحقيقاتها لفعلوا.

بالعودة إلى مجريات جلسات المرافعة في المحكمة. الادعاء اتهم بشكل واضح ومباشر القيادي البارز في حزب الله مصطفى بدرالدين بترؤس فريق تنفيذ جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، واتهم معه النظام السوري. هذا الاتهام ليس جديداً، فقد سبق للقرار الظني الذي صدر قبل سنوات أن وجه أصابع الاتهام إلى بدر الدين وعدد من عناصر الحزب، كما أصدر مذكرات توقيف غيابية بحقهم. لكن المحكمة كما الأجهزة الأمنية اللبنانية لم تبذل أي جهد للعثور على المتهمين. وقد أعلن حزب الله قبل سنوات عن مقتل بدر الدين خلال مشاركته بالقتال في سوريا إلى جانب النظام، أما الأسماء الأخرى، فما زالت متوارية عن الأنظار، ولم نسمع يوماً أن الأجهزة الأمنية الخاضعة لوزارة الداخلية التي يقودها تيار المستقبل نفذت مداهمة واحدة للبحث عن المتهمين.

هذا بالنسبة لحزب الله، أما بالنسبة للنظام السوري الذي أكد الادعاء في مرافعته مشاركته ارتكاب في الجريمة , فإن وزراء في الحكومة التي يرأسها سعد الحريري يزورون دمشق بشكل دوري ويلتقون مسؤولين فيها أمام وسائل الإعلام، كما يجري الحديث عن أن رئيس الجمهورية ميشال عون يعتزم القيام بزيارة رسمية إلى دمشق للقاء بشار الأسد بعد تشكيل الحكومة.

إذاً , "الحقيقة" التي كان فريق من اللبنانيين يستميت للوصول إليها تحققت. فالمحكمة الدولية من خلال التحقيقات التي أجرتها خلال السنوات الماضية شكلت صورة شبه متكاملة للمسؤولين عن ارتكاب الجريمة، ولم يعد ينقص سوى النطق بالحكم بعد الانتهاء من المرافعات، الأمر الذي من المتوقع أن يستغرق أشهراً إضافية. لكن حسب الرئيس سعد الحريري فإنه أياً كان الحكم الصادر عن المحكمة فإن ذلك لن يؤثر على الوضع اللبناني الداخلي. بشكل أوضح، حتى ولو أصدرت المحكمة الدولية حكمها النهائي باتهام عناصر من حزب الله والنظام السوري، فإن الحريري مستمر في مشاركة الحزب في الحكومة، ومستمر كذلك في غض النظر عن استعادة العلاقات مع النظام السوري، وهنا يبرز سؤال كبير: هل من داع لاستمرار المحكمة الدولية؟!