أواب إبراهيم

ليس لأحد التشكيك في نتيجة الاستفتاء على التعديلات الدستورية التي دعا إليها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، رغم أن الأغلبية تحققت بأكثر من واحد بالمئة بقليل. لكن هذا الواحد هو نفسه الذي يستند إليه الغرب لاسيما الدول الأوروبية، وهو ما شهدناه قبل أسابيع في بريطانيا, حين أسفر الاستفتاء عن أغلبية عادية أدت للقرار التاريخي بتحقيق الانفصال عن الاتحاد الأوربي. ورغم التظاهرات الحاشدة التي شهدتها مختلف المدن الانكليزية إلا أن نتيجة الاستفتاء بقيت على ما هي عليه، وبدأت بريطانيا إجراءاتها للانفصال.
الأضواء كلها سلطت على المواد الدستورية التي تتعلق بالرئيس وتحصين موقع وتعزيز صلاحياته، كحيازته السلطة التنفيذية والسماح بانتمائه لحزبه وقدرته على إعلان الطوارئ، لكن تعتيماً متعمداً طال تعديلات أخرى كثيرة، لا تصبّ في مصلحة الرئيس، بل ربما تكون مقيّدة له، كمنح مجلس النواب الحق بطلب فتح تحقيق بحق رئيس الدولة ونوابه والوزراء، وكذلك صلاحية المجلس بالدعوة لانتخابات نيابية. عدا تعديلات أخرى من الواضح أن المستفيد منها هم الأتراك أنفسهم، كرفع عدد أعضاء مجلس النواب إلى 600 نائب، وخفض سنّ الترشح للبرلمان إلى 18 عاماً، وإلغاء المحاكم العسكرية. ورغم الكثير من الكلام الذي قيل وكتب، إلا أن التعديلات التي تم الاستفتاء عليها لا تنص على عودة الخلافة العثمانية، ولم تقترب من الحريات، ولم يأت أحد على ذكر الإسلام. 
نجاح الاستفتاء لم يحجب بعض المؤشرات السلبية التي كشف عنها. فقد جرت العادة أن تشكل المدن الكبرى -وفي مقدمها اسطنبول -الرافعة الأساسية للنجاحات الشعبية التي يحققها أردوغان، خاصة إذا تذكرنا أن مشوار أردوغان السياسي بدأ بعد نجاحه في رفع النفايات من شوارع اسطنبول يوم كان رئيساً لبلديتها. هذه المدن الكبرى نتيجة الاستفتاء فيها لم تكن لصالح التعديلات، وحين نتحدث عن المدن الكبرى فإننا نتحدث عن الناخبين المثقفين، وهي الشريحة التي طالما وقفت وراء أردوغان وإلى جانبه في مواجهة حملات التضييق والحصار التي تعرض لها. هذه الشريحة من الناخبين أرادت أن تقول لأردوغان إن وقوفنا معك وإلى جانبك ليس شيكاً على بياض، وإذا كنت اليوم الضمانة لعدم التعسف في استخدام صلاحياتك فلا أحد يضمن أن الرئيس المقبل للبلاد لن يفعل ذلك، فلو دامت لغيرك ما وصلت إليك. المؤشر السلبي الآخر هو أن حزب العدالة والتنمية خاض الاستفتاء متحالفاً مع حزبي الحركة القومية والاتحاد الكبير. رغم ذلك تحققت الغلبة بواحد بالمئة فقط، في حين أن النسبة التي كانت متوقعة استناداً لنتائج الانتخابات الماضية كانت تشير إلى قرابة 60%. وهذا يعني أن نسبة ملموسة من مؤيدي ومناصري حزب العدالة والتنمية، وكذلك مناصري حلفائه لم تصوّت إلى جانب التعديلات الدستورية، وهذا بدوره يحتاج قراءة متأنية وإعادة نظر في الصف الداخلي وتماسكه.
تحقيق الفوز في الاستفتاء وتفويض الناس لرئيسهم، وتجديد الثقة به، ومحاولة رأب الصدع وتحصين الوحدة الوطنية، وتحشيد الالتفاف الشعبي حول السلطة شيء آخر. فالديمقراطية شكل من أشكال الحكم، لكنها ليست بالضرورة عادلة، وليست بالضرورة هي السبيل لتحقيق استقرار البلاد وطمأنينة العباد، خاصة إذا كنا نتحدث عن بلد كتركيا يعيش أوضاعاً استثنائية، بسبب الأزمات الخارجية التي تحيط به من كل جانب، والاهتزاز الأمني الذي شهده في الآونة الأخيرة، سواء من جانب حزب العمال الكردستاني، أو «تنظيم الدولة» الذي جعل تركيا على رأس أهدافه لتنفيذ جرائمه. 
نكرر ونقول بأن نتيجة الاستفتاء لاغبار عليها، لكنها في المقابل كشفت عن أن قرابة نصف الشعب التركي يرفض التعديلات الدستورية، وهذا النصف لا يجب تهميشه وعدم الاهتمام بما يريد. فتركيا بحاجة إلى أن يقوم رئيسها رجب طيب أردوغان بعدما ينتهي من نشوة الانتصار بخطوات تصالحية احتضانية لأبناء شعبه الذين يخالفونه رؤيته للبلاد. على أردوغان بعدما جددت غالبية الأتراك تفويضه في قيادة البلاد أن يقترب من الذين لم يفوّضوه، عليه أن يُشعر جميع الأتراك أنه رئيسهم، وأن يثبت لهم بالفعل لا بالتصريحات والخطابات أن التعديلات الدستورية التي رفضوها في الاستفتاء ستؤدي في النهاية لتحقيق مصلحة تركيا وشعبها.>