العدد 1365 / 12-6-2019
أواب إبراهيم

مرّت الجريمة الإرهابية التي شهدتها مدينة طرابلس عشيّة عيد الفطر. فتراكم الأزمات والخلافات والمشاحنات لاتترك مجالاً للوقوف والدراسة والبحث في حادث إرهابي بهذا الحجم.

خطورة ما قام به "عبد الرحمن المبسوط" لا يتعلق بما قام به فقط، بل بإمكانية تكرار ما حصل كل يوم وكل ساعة وفي كل منطقة من لبنان. فالدوافع التي مهدت الطريق أمام المبسوط لارتكاب جريمته الإرهابية تتوفر لعشرات إن لم يكن مئات الشباب اللبناني. طبعاً هذا لايبرر الجريمة التي ارتكبها المبسوط، لكنه يحذر من حصول جرائم مشابهة، طالما أن الدوافع متوفرة لدى آخرين كثر.

شاب فقير يائس بائس، عاطل عن العمل، انضم لتنظيم داعش وحارب إلى جانبه في سوريا. بعد عودته، سعى للعودة الى حياته الطبيعية، لكن المجتمع واجهه بالصدّ والرفض والنبذ، فلم يعد هناك ما يخسره، وصار سهلاً بالنسبة له ارتكاب الجريمة التي ارتكبها.

حسب المتابعين، يبلغ عدد اللبنانيين الذين شاركوا مع تنظيم داعش بالقتال في سوريا بين 400 و700 شخص. فإذا أخذنا رقماً وسطياً هو500، فإن هذا يعني أن 500 ذئب مفترس (حسب توصيف وزيرة الداخلية) يسرحون في الشوارع لا أحد يدري ما يدور في خلدهم، وما إذا كانوا يعتزمون تنفيذ جريمة مشابهة للتي ارتكبها المبسوط، خاصة إذا ما تعرضوا للظروف نفسها التي تعرض لها المبسوط والتي دفعت به لارتكاب جريمته.

فكل فرد من هؤلاء استقبلته الأجهزة الأمنية فور عودته من القتال مع داعش، فاعتقلته في أقبيتها، وتعرضوا لشتى صنوف التعذيب والإذلال لانتزاع اعترافات من أفواههم، لينتقلوا بعدها إلى سجن رومية ليجتمعوا هناك مع مئات الرفاق الآخرين يعدون الساعات والأيام والشهور والسنوات. المحظوظ منهم تتم محاكمته في المحكمة العسكرية، فيقضي مدة عقوبته في السجن ليخرج بعدها حاقداً ناقماً على دولة ظلمته وأذلّته. أما تعيس الحظ فيواصل عد أيامه وسنواته في السجن مع مئات آخرين, علماً أن هؤلاء لم يرتكبوا على الأراضي اللبنانية أي جرم يستحق العقوبة، وحالهم كحال آلاف مقاتلي حزب الله الذي يقاتلون في سوريا إلى جانب النظام. الفارق أن مقاتلي الحزب لهم ظهر يسندهم , بينما من قاتل إلى جانب داعش يتامى مشردون في الأرض.

الواضح أنخ لانيّة لدى الدولة وأجهزتها المختلفة لبحث كيفية التعامل مع هؤلاء. فلا الإبقاء عليهم في السجن مجد، علاوة على أنه ظلم وعدوان ومخالف للقانون، ولا الإفراج عنهم مجد. هي إشكالية على الدولة معالجتها وعدم إهمالها وإيجاد حل لها بعيداً عن المناكفات السياسية والكيدية التي تشغل بال السلطة، وإلا فإننا سنشهد كل يوم "مبسوط" آخر يحوّل نفسه لقنبلة تفجّر من حولها، بعدما ضاقت من حوله الدنيا، ورفض المجتمع قبوله.

فقد شكلت قضية العائدين من القتال مع داعش في سوريا والعراق مشكلة أرّقت الاتحاد الأوروبي، فانعقدت من أجلهم القمم والاجتماعات والمؤتمرات لإيجاد المخارج القانونية والإنسانية كي لايتحوّل هؤلاء الى قنابل متفجرة بعد عودتهم لبلادهم كما فعل المبسوط. أما في لبنان، فلم يعبأ أحد بالأمر، واقتصر الحديث حول ما حصل في طرابلس إلى سجال سياسي وفرصة لكسب النقاط بين المتخاصمين، والتنافس للاستفادة مما حصل.

ماارتكبه المبسوط ما كان ليأخذ طابعاً إرهابياً إلا بسبب مشاركته بالقتال في سوريا، لكن ذلك لاينفي أن كثيرين في لبنان، لم يحملوا طوال عمرهم بندقية، ولا ينتمون لأي حزب أو جماعة، لكنهم يشعرون باليأس والإحباط والتهميش نفسه الذي دفع المبسوط لارتكاب جريمته، وحالهم كحال المبسوط من الحرمان والبغض للسلطة، ولا شيء يمنعهم من التفكير بالانتقام كما فعل المبسوط , لكنهم ينتظرون الفرصة المناسبة.

أوّاب إبراهيم