أواب إبراهيم

تحضيراً للانتخابات النيابية، وضمن مساعي الحكومة لتقديم صورة ديمقراطية ونزيهة ومتحضّرة للعالم، تم إنشاء كيان إداري جديد حمل اسم «هيئة الإشراف على الانتخابات». تتألف الهيئة من عدد من القضاة والمحامين وممثلين عن المجتمع المدني وخبراء متخصصين. مهام كثيرة منوطة بهذه الهيئة جميعها يصب في خانة مراقبة نزاهة الانتخابات النيابية والحؤول دون حصول خروقات أو تلاعب فيها أو مخالفة المرشحين في حملاتهم الانتخابية للقانون الانتخابي. وقد دأبت هذه الهيئة منذ تشكيلها على إصدار بيانات وتعاميم كل حين بأمور تتعلق بالعملية الانتخابية، والتنبيه إلى كل ما يشكل تجاوزاً للقانون الانتخابي الذي تم إقراره والذي ستجري على أساسه الانتخابات النيابية.
لا خلاف على أن تشكيل هذه الهيئة يصب في مصلحة نزاهة الانتخابات وشفافيتها، لكن هل هذا يعني أن الاستحقاقات النيابية السابقة والتي لم تكن «هيئة الإشراف على الانتخابات» وُجدت حينها يشوبها الفساد والتزوير؟.
يمكن القول براحة ضمير أن الفساد ينهش بنية السلطة وإداراتها ومؤسساتها المختلفة، يمكن القول كذلك أن الطبقة السياسية التي تمسك بزمام الأمور تشارك في الفساد وتديره طبقاً لمصالحها، لكن ذلك لاينفي حقيقة مضيئة وهي أن العملية الانتخابية مازالت بمنأى عن فساد السلطة وإداراتها. ربما يحتج مرشح لأن لجان الفرز لم تقم باحتساب عدد من الأصوات لصالحه، أو أنها أخطأت في احتساب أصواته، لكن أحداً لم يقل بأن نتائج الانتخابات كانت مزورة أو مخالفة للواقع. 
حتى في ظل الوصاية السورية كانت نتائج الانتخابات النيابية شفافة ونزيهة وتعكس توجهات الناخبين إلى حد كبير. ربما قامت الوصاية بتوجيه نتائج الانتخابات بشكل غير مباشر من خلال القانون الانتخابي الذي كانت تُجرى على أساسه الانتخابات، وربما توجه النتائج من خلال بناء التحالفات الانتخابية وتركيب اللوائح الانتخابية، لكن لم تصل الأمور مستوى تزوير نتائج الانتخابات أو تغيير متعمد لما يحصل عليه المرشحون في صناديق الاقتراع. ولعلّ الدليل الواضح على ذلك هو الفوز الكاسح الذي حققه الرئيس الشهيد رفيق الحريري في انتخابات عام 2000 يوم تم إخراجه من السلطة، لكنه رغم ذلك تمكن من سحق خصومه ونجح بمواجهة مساعي النظام السوري والنظام الأمني لتقليم أظافره والتضييق عليه. هذا النظام الذي كان يرأسه إميل لحود ويهندسه جميل السيد قامبابتكار قانون انتخابي تمّت حياكة دوائره الانتخابية خصيصاً لمحاصرة الحريري، لكن إرادة الناخبين كانت معاكسة، وحقق الحريري انتصاراً في جميع الدوائر التي خاض فيها الانتخابات بخلاف رغبة النظام السوري والنظام الأمني اللبناني، اللذين رضخا للنتائج وسلّما بها. 
هذا لا يعني أن الاستحقاقات الانتخابية كانت مثالية وتجري في ظروف شبيهة بالمدينة الفاضلة. فالنظام السوري كان يمارس ضغوطه على المرشحين وعلى المفاتيح الانتخابية وعلى الناخبين أنفسهم تارة بالترغيب وتارة أخرى بالترهيب، وهذا كان يؤثر بالنتائج دون شك، لكن المؤكد هو أن نتائج الانتخابات التي يتم الإعلان عنها كانت تلك التي يصوّت بها الناخبون في صندوق الاقتراع دون تغيير، رغم قدرة النظام السوري حينذاك على تغيير النتائج كيفما شاء لكنه لم يكن يفعل.
اليوم، وفي ظل «العهد القوي»، وفي ظل قانون انتخابي فصّلته قوى السلطة على قياسها لتأتي بأكبر عدد ممكن من النواب، ستكون الانتخابات النيابية نزيهة وشفافة كما كانت دائماً. خاصة حين نعلم أن النزاهة الانتخابية هذه ليست إبداعاً لبنانياً وأخلاقاً رفيعة لمن هم في السلطة، إنما هو نتيجة طبيعية ومنطقية للتنوع والتنازع والتنافر بين القوى السياسية،بما يجعل من المستحيل لطرف أن يقوم بتزوير النتائج لصالحه، في مواجهة خصوم يترقبون يراقبون أنفاسه، ويحصون خطواته، ويتأملون في حركاته وكل خطوة يقوم بها، وهي حتماً ستقوم بفضحه وضبطه وملاحقته.