العدد 1402 / 26-2-2020

نذرت نفسها لمكافحة الفساد وإسقاط السلطة، تمشي في التظاهرات كل يوم، تصرخ.. تهتف.. تشتم.. تنافس زملاءها الشباب بالتواجد في ساحات الاعتصام والتظاهر في النهار أو في "نصاص الليالي". تتصدر الصفوف، تحرص على إهمال شكلها وطمس ملامح أنوثتها، ليس احتشاماً منها بل رغبة في تكريس ما تدعو إليه من مساواة بين الرجل والمرأة، وأنه لا فرق بينها وبين الرجل. جريئة، سليطة اللسان، لحظات قليلة قبل أن تحتدم المواجهة مع القوى الأمنية فتبدأ باستفزازهم وتوجيه الشتائم اليهم ودفعهم، يحاولون رد الاعتداء أو اعتقالها أو الاعتداء عليها، تجدها أول من يصرخ "يا عيب الشوم عليك، عم تتمرجل على مرا (؟!)". قبل قليل كانت ترفض أن أن تكون امرأة، لكنها إما أنها تذكرت فجأة أنها أنثى وهذا يتطلب حمايتها من أي اعتداء مهما بلغ استفزازها، وإما أنها تترك ورقة أنوثتها خطة بديلة لحمايتها من أي اعتداء، لكن في الحالتين تجدها متمسكة بكونها أنثى.

النسوية، مصطلح يطلق على اللواتي يرفعن لواء تحرير المرأة ومساواتها بالرجل، وجعلهن من قضية مناصرة المرأة وتحصيل حقوقها "المغبونة" قضيتها المحورية، لتعتبر نفسها في مهمة مقدسة. فصار لدينا كاتبة نسوية، شاعرة نسوية، مناضلة نسوية، إعلامية نسوية، مدوّنة نسوية، داعية نسوية.. وانتقلت هذه العدوى إلى بعض الرجال الذين وجدوا في النسوية وسيلة للبروز، فصرت تجد كاتباً نسوياً يزايد على النساء في تحصيل حقوقهم، شيخاً نسوياً يبرع في إطلاق الفتاوى التي تُعفي المرأة من واجباتها والقيام بدورها في رعاية أسرتها، ناشطاً نسوياً يقارع العالم في إبراز المظلومية التي تعاني منها النساء، وبالطبع يحظى هؤلاء بكل إعجاب وتصفيق من جماهيرهم النسوية.

تكون الواحدة منهن حاصلة على أعلى الشهادات العليا، حين تتحدث تجد أفكارها مبتكرة مبدعة، واسعة الصدر تسعد بالاختلاف مع الآخر، تستمتع في الاستماع لمن يخالف وجهة نظرها في كل شيء، في العلم، في الدين، في السياسة، في الاقتصاد.. أما إذا سوّلت لأحدهم الإفصاح عن رأيه تجاه قضية تتعارض مع نسويتها، تختلف سحنتها، تختفي شهاداتها، تبرز أنيابها، تجحظ عيناها، تطول أظافرها، وتبدأ بالانقضاض على المجرم الذي اختلف معها في ما تعتبره جهاداً مقدساً.

الحقيقة المرّة التي ترفض النسويات الإقرار بها هي أن مشكلتهن ليست في الرجال فقط بل في بيتهن الداخلي كذلك، وأن عليهنّ قبل مناظرة الرجال ومحاججتهم، عليهم أن يقنعوا بعضهن بأفكارهن. تنظر النسويات للرجل نظرة سلبية تحمل في طياتها الكثير من الاحتقار والاشمئزاز. فالرجل خائن، زائغ العينين، "نسونجي"، ينظر للمرأة على أنها جسد، لايهتم بعقلها وأفكارها بقدر ما يهتم لشكلها، تسيطر عليه شهوته، ويتخلّى من أجلها عن إنسانيته ليصبح أقرب للحيوان.. أوصاف كثيرة تطلق على الرجال من النسويات تسيء للرجل وتنتقص من كرامته. ما تغفل عنه النسويات هو أن مشكلتهن لا تكمن مع الرجال كأشخاص، بل في فطرتهم البشرية التي فطرهم الله عليه، وإذا كان لديهم مشكلة في ذلك فهي مع رب العباد. الجانب الآخر هو أن ما يعتبرنه نقيصة في الرجال هو نفسه ما يشكل نقطة قوة للنساء في مواجهة الرجل، هذا إذا ما سلمنا بنظرية النسويات بأن الحياة هي تنافس بين الرجال والنساء وليس تكاملاً بينهم.

ربما يكون الرجل خائناً، لكنه يخون مع امرأة أخرى زميلة لتلك التي تستشيط غضباً من خيانة الرجل، ولو لم تكن هذه الأخرى موجودة لما وُجدت الخيانة. ربما يكون زائغ العينين، لكن من تغويه امرأة تتفاخر بنجاحها في الغواية. ربما يهتم الرجل بجسد المرأة، لكنها هي التي تقدم جسدها وتعرضه للاهتمام. ربما يركض الرجل وراء شهواته، لكنه يركض وراء نساء احترفن بيع أجسادهن.

هذا لايعني أن الحق على النساء والرجال بريئون من التهم الموجّهة إليهم، لكنه يعني أن الأمور ليست أبيض أو أسود، وأن على النسويات أن يهدأن ويتواضعن.

أوّاب إبراهيم