العدد 1350 / 20-2-2019
أواب إبراهيم

نجحت معالي وزيرة الداخلية ريّا الحسن في فترة قياسية بالقضاء على الكثير من الارتياح والترحيب الذي لقيه وصولها إلى وزارة الداخلية. فمعالي الوزيرة استهلّت مشوارها بالوزارة بتشديد الملاحقات الأمنية للطبقة الفقيرة والمسحوقة من أصحاب الأكشاك والبسطات والدراجات النارية، وأتبعت ذلك مباشرة بإعادة فتح ملف إشكالي لاطائل منه هو الزواج المدني، كان اللبنانيون بغنى عنه في ظل المشاكل الكثيرة التي تحيط بهم.

بداية لا أحد يحاول إقناع اللبنانيين بأن طرح الوزيرة لموضوع الزواج المدني أتى عفوياً وجواباً عرضياً على سؤال لصحفيّة خلال مقابلة إذاعية. فطرح الزواج المدني جاء من خارج أي سياق مطروح أو نقاش دائر، وحتماً لم يكن يخطر في بال أي صحفي قبلذاك. فالزواج المدني ملف مطوي منذ سنوات، ولا أحد في لبنان أعاد طرحه مؤخراً، وبالتالي فإن ما جاء على لسان الوزيرة هو أمر محضّر ومتعمّد. وهنا يجدر القول بأنه إذا كانت وزيرة الداخلية لا تدرك أن طرحها بإعادة فتح النقاش حول الزواج المدني سيُحدث كل هذه التجاذبات والأزمات فهي مشكلة، أما إذا كانت معاليها تعرف ذلك وأقدمت عليه فالمشكلة تكون أكبر. أما إذا كانت معاليها أثارت موضوع الزواج المدني بالتنسيق والتوجيه من الرئيس سعد الحريري، حينها لا نكون أمام مشكلة، بل كارثة.

ما يجب أن تدركه معالي الوزيرة، أنها وصلت إلى وزارة الداخلية نتيجة لصناديق الاقتراع في الانتخابات النيابية. ويجب أن تدرك معاليها أن الأغلبية الساحقة من الناخبين الذين أيدوا التيار الذي تنتمي إليه، يرفضون إثارة الزواج المدني، ويشمئزون من طارحه، وأن عليها احترام توجّهات هؤلاء ومراعاتها بغض النظر عن أفكارها وأجندتها الخاصة. فليس من المنطق ولا من الفطنة أن يتم طرح قضية من جانب وزيرة في تيار المستقبل، في حين أن الجمهور العريض لهذا التيار يرفض مجرد مناقشته. وأنا على ثقة أننا لو كنا على مقربة من موعد الانتخابات النيابية لما تجرأت معاليها على طرح الزواج المدني، ولو فعلت لكان ذلك أثر سلباً وبشكل كبير على التأييد الشعبي لتيار المستقبل. لكن معاليها ومن تمثل يدركون أن موعد الانتخابات ما زال بعيداً والناس كعادتها.. تنسى.

في لبنان كما في معظم الأقطار العربية الأخرى، تحتلّ الواجهة طبقة من السياسيين والإعلاميين ورجال الأعمال العلمانيين الذين لا اهتمام لهم لا بدين ولا بقيم ولا بأخلاق، ويعتبرون أنفسهم "فهمانين". يعيش هؤلاء في كوكب مختلف عن الذين يعيشه بقية اللبنانيين. فلا يجد هؤلاء ما يشغلهم، لا يفكرون بكيفية تأمين الأقساط المدرسية لأبنائهم، ولا بموعد عودة التيار الكهربائي لاستخدام المصعد، وأماكن سكنهم بعيدة عن مكبات النفايات التي تفتك بصدور اللبنانيين. وجد هؤلاء في إثارة الزواج المدني قضية تشغلهم وتسلّيهم، فهلّلوا ورحّبوا وغرّدوا وأطلّوا عبر وسائل الإعلام مؤيدين لطرح وزيرة الداخلية، وظنّوا أنهم يمثلون الأغلبية، في الوقت الذي تنشغل هذه الأغلبية بتأمين قوت يومها.

لست معنياً بالخوض في حرمة أو تحليل الزواج المدني، فهذا دور علمائنا الأفاضل في دار الفتوى، إلى جانب دورهم في إثبات هلال شهر رمضان، ومساندة رئيس الوزراء أمام الهجمات التي يتعرض لها. ما يعنيني هو ما يتعلق بالقيم والأخلاق والذوق الإنساني. فقد تابع كثير من اللبنانيين عبر وسائل التواصل الاجتماعي حفل زفاف في منطقة لبنانية بين امرتين الأولى لبنانية والأخرى فيليبينية. حيث تبادل الطرفان (المرأتان) المحابس والعناق والقبل وسط تصفيق وتهليل من حولهم. إذا سرنا وراء منطق منح حرية الاختيار، فكذلك يجب منح حرية الاختيار لمن أراد الزواج المثلي، وربما يصبح لدينا من يطالب بحرية اختيار الزواج من الحيوانات، وهذا سيكون حقهم الذي لايجوز قمعه استناداً لمنطق الزواج المدني الاختياري. ونحن هنا لا نتحدث عن مبالغة أو خيالات، بل هي أمور سبق حصولها وإقرارها في بعض دول الغرب.

ربما يجدر بحكومة "إلى العمل" التي يرأسها سعد الحريري أن تعمل فيما ينفع الناس وحلّ مشاكلهم والسعي للتخفيف من أعبائهم، لا أن يشكل وزراؤها عنواناً لإثارة قضايا خلافية، ونبش مسائل حساسة، لن تعود على اللبنانيين إلا بمزيد من التشنج والتباعد.

أوّاب إبراهيم