أواب إبراهييم

انتشر قبل أيام مقطع مصوّر لم يأخذ ما يستحق من الاهتمام، يظهر وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية بيار رفول في جلسة خاصة. يتحدث معالي الوزير عن سعي فريق رئيس الجمهوريّة لرفع نسبة المسيحيّين في الإدارات الرسميّة، والتركيز على رفعها في الجيش اللبناني، بالاتفاق مع قائد الجيش، مؤكداً أن نسبة المسيحيين داخل المؤسسة العسكرية ارتفعت منذ وصول العماد ميشال عون إلى قصر بعبدا من 23% إلى 30%، وأن السعي هو لتكون النسبة 50% في المرحلة المقبلة.
أهمية ما قاله رفول هو أنه صادر عن وزير مقرب من رئيس الجمهورية، وهي معلومات وليست تحليلاً أو استنتاجاً. أهميته كذلك أنه أخرج إلى العلن ما يعرفه الكثيرون لكنهم يتجنبون البوح به. فمن المعروف أن غالبية عديد المؤسسة العسكرية من المسلمين، وتحديداً من منطقة عكار التي يطلق عليها البعض خزان الجيش اللبناني، وكذلك من منطقة البقاع. وهو بكلامه قدّم معلومات لا يمكن أن تكشفها قيادة الجيش في أحد بياناتها الصادرة عن مديرية التوجيه. فإذا كانت قيادة الجيش تراعي التوزيع الطائفي بالنسبة إلى الضباط والمراكز القيادية وإن كانت تتجنب الإعلان  عن ذلك، فإن ذلك يبدو مستحيلاً بالنسبة إلى الرتباء والجنود الذين يشكل المسلمون غالبيتهم الساحقة. حقيقة يهملها الجميع مراعاة لمشاعر شركاء الوطن لولا أن معالي وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية ذكرنا بها.
كلام رفول كشف كذلك عن تدخل واضح –ان لم نقل سافر- بشؤون المؤسسة العسكرية. هذه المؤسسة التي تشكل لدى كثير من اللبنانيين عتبة الخلاص من مشاكل الطائفية، والفساد الذي أصاب معظم مؤسسات الدولة وإداراتها. وهي المؤسسة الوحيدة التي ما زالت تحظى بالحد الأدنى من الإجماع والتأييد من مختلف اللبنانيين. هذا الإجماع جاء نتيجة لحرص قيادة الجيش على تقديم أداء وطني جامع، لا يفرق بين الطوائف والمذاهب والأحزاب. وهي نجحت إلى حدّ كبير في تحييد نفسها عن الخلافات السياسية والطائفية. إلا أن معالي الوزير تحدث عن المؤسسة العسكرية كأي مؤسسة أخرى في الدولة، وكشف عن الدور الذي يقوم به فريقه السياسي لإدخال المسيحيين إلى صفوف هذه المؤسسة، متجاوزاً قيادة الجيش والمجلس العسكري وكبار ضباطها.
لو صدر هذا الكلام عن وزير الخارجية جبران باسيل لكان الأمر منطقياً ومفهوماً، فالخطاب السياسي لباسيل وتياره هو تقوية نفوذ المسيحيين في مؤسسات الدولة وحمل لواء رفع الغبن عن المسيحيين، سواء كان هذا الشعار صحيحاً أو مغرضاً. لكن الكلام صدر عن مسؤول من فريق رئاسة الجمهورية ومن المقربين من العماد عون، الذي رفع حين وصوله إلى قصر بعبدا شعار «بيّ الكل»،بينما معالي الوزير يصرّ على مخالفة هذا الشعار ويريد من فخامة الرئيس أن يكون «بيّ المسيحيين»، وليس بيّ جميع اللبنانيين.
قبل أسابيع صدر عن إدارة الإحصاء المركزي تعداد رسمي للاجئين الفلسطينيين في لبنان، كشف أن عددهم الفعلي لا يزيد على 174 ألف نسمة. رقم شكل مفاجأة لكثيرين كانوا يعتقدون أن العدد هو أضعاف ذلك، خاصة أن بعض القوى والتيارات كانت تستخدم اللاجئين الفلسطينيين كفزّاعة أرادت من ورائها تبرير شعاراتها الطائفية ومظلمتها الخدّاعة. الأمر نفسه يسري على النازحين السوريين الذين يهوّل الفريق نفسه بأعدادهم ويريد استخدامهم مدخلاً لإعادة العلاقة مع النظام السوري، بينما الكثير من المؤسسات الدولية أكدت في الآونة الأخيرة أن عدد النازحين السوريين في لبنان تراجع بشكل كبير. وربما لو أجري إحصاء رسمي لعددهم لتبيّن كما حصل مع اللاجئين الفلسطينيين أن أعدادهم تقل بكثير عما يروّج له.
الحقيقة التي لا يستطيع الوزير بيار رفول ولا فريقه السياسي الهرب منها هي أن المواطنين اللبنانيين المسلمين يشكلون ضعف عدد المسيحيين، وهي نسبة مرشحة للزيادة. صحيح أنه لا يوجد إحصاء رسمي، لكن يوجد لوائح شطب رسمية للانتخابات النيابية تعكس هذه الحقيقة. فإذا كان الوزير رفول وفريقه سيواصلون محاربة الديموغرافيا السكانية من خلال التدخل بمؤسسات وطنية وحشر المسيحيين فيها، فإنهم بذلك يسيئون لأنفسهم كما لهذه المؤسسات. وكان حرياً بالوزير رفول ومن معه أن يسعوا لدعم مؤسسات الدولة الوطنية الجامعة ومساندتها وتحصينها عوض التدخل بشؤونها وإدخالها بزواريبهم الطائفية.