العدد 1399 / 5-2-2020

استاء اللبنانيون من تصريحات صدرت عن وزيرة العمل الجديدة دعت فيها اللبنانيين للاعتياد في المرحلة المقبلة على العمل في مهن لم يكونوا يعملون فيها في الماضي، وأن عليهم القبول بأعمال بأجور متدنية، لافتة إلى أن الأزمة التي يمر بها لبنان تفرض ذلك. قبلها بأيام استاء اللبنانيون من تصريحات أدلى بها وزير الطاقة الجديد امتنع خلالها عن تحديد موعد لحل أزمة التيار الكهربائي، أو الحديث عن مخرج يتيح وقف استنزاف قطاع الكهرباء لخزينة الدولة وزيادة الدين العام. قبلها استاء اللبنانيون من تصريحات لوزير المال الجديد أكد فيها أن سعر صرف الليرة لن يعود إلى سابق عهده، وأن سعر1500 ليرة للدولار ذهب الى غير رجعة، وأن البحث جار لإيجاد مخارج للأزمة النقدية والاقتصادية التي يعاني منها اللبنانيون.

الأكيد هو أن الوزراء الجدد لا يملكون أي خبرة في العمل السياسي العام، ولو كانت هذه الخبرة متوفرة لديهم لما صدر عنهم هذا الكلام، الذي يعكس الواقع تماماً، لكنه لايلقى الترحيب والتصفيق من اللبنانيين. فقد ألِف اللبنانيون من السياسيين الخداع والنفاق والمكابرة وتجميل المصائب والكلام المعسول، واعتادوا عليه، ووصلوا إلى مستوى متقدم من التدجين أنهم باتوا يرفضون الاستماع لكلام حقيقي يكشف عمق الأزمات التي يعيشونها. لامشكلة لديهم بأن يكذب عليهم السياسي، مشكلتهم أن يصارحهم ويقدم لهم الواقع على حقيقته.

ربما كان اللبنانيون يريدون من وزيرة العمل أن تطمئنهم بأن الأمور بألف خير، وأن الأزمة التي تمر بها البلاد هي سحابة صيف عابرة لن تمكث طويلاً، وأنها تطلب منحها بعض الوقت والصبر حتى تعيد إليهم البحبوحة التي ينشدونها. ربما كان اللبنانيون ينتظرون من وزير الطاقة أن يقطع لهم أيْماناً مغلّظة أنه سيقوم بتأمين التيار الكهربائي 24/24 خلال أسابيع قليلة، وهي وعود في جميع الأحوال لن تكون مفاجئةً، فقد سبقه إليها كل الوزراء الذي تعاقبوا على وزارة الطاقة منذ عقود. وقد جرت العادة أن الوزير يعد، واللبنانيون يصفقون ويأملون ويستبشرون خيراً، التيار لا يعود، الناس تنسى، وزير آخر يعاود الكذب، فيصدق اللبنانيون مرة أخرى ويصفقون، التيار لا يعود، الناس تنسى، وهكذا.. لكن أن يأتي وزير ليخبرهم أن الأزمة عميقة، وأنه لن يقطع وعداً لنهاية معاناتهم مع انقطاع التيار الكهربائي، فهو موقف مرفوض من قبل اللبنانيين، ولم يلق منهم إلا استياء وغضباً رغم أن النتيجة واحدة.

ربما كان اللبنانيون ينتظرون من وزير المال أن يؤكد لهم أن الاهتزاز الذي أصاب سعر صرف الليرة في الأشهر الماضية يعود لظروف طارئة، وهو اهتزاز مؤقت، وسرعان ما سيعود إلى سابق عهده من الثبات والاستقرار كما كان عليه. كانوا ينتظرون من الوزير تصريحات غاضبة من امتناع المصارف عن إعطاء الأموال المودعين، ووعوداً بأنه سيلاحق ويحاسب هذه المصارف. كانوا ينتظرون تطميناً لأصحاب المؤسسات المتوسطة والصغيرة بأن الحكومة ستقف إلى جانبهم ولن تسمح بإعلان إفلاسهم وإغلاق مؤسساتهم.

كانوا ينتظرون تهديداً من معالي الوزير للصرافين الذين يستغلون الأزمة للمتاجرة بالدولار ويؤكد بأنهم لن يفلتوا من العقاب. كانوا يأملون من وزير المال أن يضرب بيده على الطاولة متوعداً التجار الذين يرفعون الأسعار بشكل جنوني أنه سيكون لهم بالمرصاد، لكن وزير المال لم يفعل ذلك كما كل وزراء الحكومة الآخرين.

ربما لأن وزراء الحكومة الجديدة مازالوا في بداية طريقهم السياسي , ولم يعتادوا على الكذب والخداع والنفاق. ربما لأنهم فعلاّ صادقون ويرفضون الكذب، وأرادوا مكاشفة اللبنانيين بعمق الأزمات وصعوبة الخروج منها. ربما بسبب عدم إدراك الوزراء الجدد أن الصراحة ليست دائماً إيجابية، وأنه في ظل غياب الإنجازات لن يفيدهم إلا الوعود الكاذبة والكلام المعسول، لاسيما في مواجهة شعوب تشبع بالكلام وتُقاد بعواطفها وغرائزها.

أوّاب إبراهيم