العدد 1342 / 19-12-2018
أواب إبراهيم

شهدت الأيام الماضية انتشار قضيتين إنسانيتين وجدتا صدى واسعاً بين الناس , ساعد عليه وسائل التواصل الاجتماعي. القضية الأولى تتعلق بمعاناة شاب من بيروت يشكو في تسجيل مصور عدم قدرته على إدخال والدته المصابة بالسرطان للمستشفى بسبب عجزه عن تحمل تكاليف العلاج، وامتناع إدارة المستشفى التابعة لإحدى الجمعيات الخيرية من مساعدته.

القضية الثانية تتعلق بطفل فلسطيني من مخيم نهر البارد يبلغ من العمر ثلاث سنوات، توفي جراء عدم تلقيه العناية الطبية اللازمة، بسبب -ما قال ذووه- إحجام وكالة الأنروا عن تمويل كلفة علاجه وامتناع وزارة الصحة عن تدارك حالته مما أدى الى وفاته.

وفاة الطفل، وقبلها بكاء الشاب في الفيديو المصور أدى لموجة عارمة من الغضب والحنق بين اللبنانيين، وتحديداً في البيئة المحيطة بكلا الحالتين. وقد شاعت في الآونة الأخيرة وسيلة للتعبير عن هذا الغضب بتسجيل بعض الناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع مصورة لأنفسهم وهم يكيلون الشتائم للدولة والرؤساء واتهام الوزراء والنواب بالفساد والسرقة، ويطالبونهم بالرحيل وترك ما تبقى من لبنان للفقراء المعترين، ويناشدون اللبنانيين التحرك والنزول إلى الشارع للإطاحة بالطبقة السياسية القائمة والتخلص منها.

اتهام أركان الدولة ونوابها بالفساد والسرقة , ليس جديداً ولا مفاجئاً، فقد اعتاد اللبنانيون عند كل أزمة على كيل الشتائم والاتهامات للمسؤولين وتحميلهم مسؤولية الواقع المزري الذي يعيشونه، وتراجع الخدمات المقدمة لهم من ماء وكهرباء وبنية تحتية وازدحام مروري وتلوث وفساد وسرقة ولايستثنون إدارة من إدارات الدولة ولا مسؤولاً ولا نائباً، فكلهم حرامية يجب التخلص منهم.

ما يطالب به الغاضبون الناقمون ليس مستحيلاً، بل خيار متاح وسهل المنال، وكان يمكن تحقيقه من خلال الانتخابات النيابية التي مر على إجرائها عدّة أشهر. وكان بإمكان اللبنانيين حينها التخلص من الطبقة السياسية مجتمعة من خلال صناديق الاقتراع، والإتيان بأناس يعتقدون أنهم نزيهون شرفاء أكفاء. لكن هذا لم يحصل، بل كشفت نتائج الانتخابات أن معظم اللبنانيين تجاوزوا كل مآسيهم ومشاكلهم ومعاناتهم، وأعادوا انتخاب الرجل نفسه الذي سبق أن جربوه خلال عقود خلت، والذي يتهمونه اليوم بالسرقة والفساد, فأعادوا تنصيبه زعيماً يمثلهم، ومنحوه سلطة التحدث باسمهم وتعيين موظفين في إدارات الدولة ومن يتهمونهم اليوم بالفساد والسرقة.

يقضي اللبنانيون أربع سنوات وهم يلومون الدولة والحكومة والوزراء والنواب، وعند الانتخابات يعودون لانتخاب النواب أنفسهم، ومن ثم يتم تشكيل الحكومة واختيار الوزراء و رئيس للحكومة ومجلس النواب ورئيس للجمهورية، كل ذلك بناء على نتائج الانتخابات التي كانت بمتناولهم. فالمسؤولية قبل أن تقع على عاتق الرئيس أو الوزير أو النائب أو الزعيم تقع على عاتق اللبنانيين الذين يتحولون عند الانتخابات إلى روبوتات تحرّكهم عن بُعد الطبقة السياسية نفسها من خلال إثارة الحساسيات الطائفية والمذهبية، فيجعلونهم ينسون معاناتهم طوال أربع سنين بسبب انقطاع الكهرباء والماء، وتلوث البيئة، وفساد إدارات الدولة، وارتفاع الضرائب، ويحرّكون بالريموت كونترول لانتخاب الطبقة السياسية نفسها. وما ان تنتهي الانتخابات، يعود اللبنانيون إلى طبيعتهم البشرية من جديد، فتسمعهم يئنّون ويتألمون ويشكون ويشتمون ويتهمون، في الوقت الذي تكون الطبقة السياسية قد جددت لنفسها شرعيتها، فتواصل فسادها وسرقتها وانتهاكها لكرامات اللبنانيين أربع سنين جديدة.

لا أمل في لبنان بالتغيير، هي ليست نزعة تشاؤمية بل واقعية. وكل الدعوات التي نسمعها بالنزول إلى الشارع والتظاهر والثورة على السلطة الفاسدة لاطائل منها إلا الإخلال بالأمن، طالما ان من هم في الحكم وصلوا إلى كراسيهم بفضل صوتي وصوتك وصوتكم.

أوّاب إبراهيم