أواب إبراهيم

أعلنت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في بيان لها أنها تسلمت من الحكومة اللبنانية مساهمتها في ميزانية المحكمة لعام 2018. تبلغ هذه المساهمة قرابة 36 مليون دولار أميركي، وهي تشكل 49% من ميزانية المحكمة. ولم تنسَ المحكمة في ختام بيانها توجيه الشكر للحكومة اللبنانية على استمرار التزامها ودعمها لعمل المحكمة.
من باب التذكير، فإن القرار الظني الصادر عن المحكمة الدولية يوجّه الاتهام بشكل صريح إلى أربعة قياديين من حزب الله لضلوعهم في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه يوم 14 شباط 2005، وقد صدرت عن المحكمة مذكرات توقيف غيابية بحقهم، وهي طالبت السلطات اللبنانية باعتقال المتهمين، الأمر الذي لم يحصل.
من باب التذكير أيضاً، فإن حزب الله يصف المحكمة الدولية بأنها أداة أميركية مسيّسة، الهدف من وراء تشكيلها التضييق على حزب الله وحصاره، وبالتالي فإن الحزب –حسب أمينه العام- يعتبر نفسه غير معنيّ بأي قرار يصدر عن المحكمة، ولا يكلف نفسه عناء التعليق عليه.
من باب التذكير، فإن الحكومة التي تشكرها المحكمة الدولية على تمويلها، هي تلك التي يملك فيها حزب الله وحلفاؤه أكثر من نصف عدد حقائبها، وبإمكان هؤلاء الوزراء، إن أرادوا، تعطيل أي قرار يصدر عنها، وهذا يعني أن قرار تمويل المحكمة الدولية حاز موافقة حزب الله.
من باب التذكير، كاد تمويل الحكومة اللبنانية للمحكمة الدولية في محطات سابقة أن يطيح حكومة الرئيس نجيب ميقاتي عام 2011، بعدما رفض حزب الله وحلفاؤه هذا التمويل، في مقابل فريق يصرّ على التمويل، يتقدمه رئيس الجمهورية ميشال سليمان. أما اليوم، وفي عهد حليف الحزب الرئيس ميشال عون، وفي ظل حكومة يملك فيها الحزب أغلبية واضحة، وفي ظل تقدم ما يطلق على نفسه اسم «محور المقاومة» تقدم الحكومة ملايينها إلى المحكمة بهدوء وصمت ودون تعليق أو تهديد.
من باب التذكير أيضاً، فإن رئيس الحكومة التي دفعت ملايين الدولارات لتمويل المحكمة الدولية هو سعد الحريري، ابن رفيق الحريري الذي تمّ تشكيل المحكمة من أجل كشف هوية الذين اغتالوه ورفاقه واعتقالهم ومحاكمتهم وإنزال العقاب بهم. وهو نفسه الذي أخذ يعلن في الآونة الأخيرة حرصه على مشاركة حزب الله في حكومته، ويصف هذه المشاركة بأنها ضمانة للأمن والاستقرار، ويتجنب مطالبة الحزب بنزع سلاحه.
رغم سياسة التقشف التي أعلنتها الحكومة عند إقرار موازنة العام الماضي، وتأخر صدور موازنة العام الحالي بسبب تعذر الاتفاق على قطع الحساب للسنوات الماضية، كانت الحكومة كريمة النفس وسخيّة و«صاحبة واجب»، فلم تكد تمرّ أيام على دخول العام 2018 حتى دفعت مساهمتها السنوية لميزانية المحكمة، متجاهلة الأعباء الكثيرة التي تثقل كاهل الميزانية والدولة واللبنانيين.
هي أحجية أقرب إلى المهزلة: دولة تدفع من جيوب اللبنانيين الملايين سنوياً لتمويل عمل محكمة دولية مضى على بدء أعمالها أكثر من عشر سنوات، لم يستفد منها خلال هذه السنوات إلا العاملون فيها والفنادق التي يقطنون فيها، والطائرات التي يتنقلون فيها، في حين أن فريقاً أساسياً في السلطة يرفض عمل المحكمة ويكيل لقضاتها وموظفيها أشنع الاتهامات ولايعترف بالقرارات الصادرة عنها.
ربما آن أوان إيجاد علاج لانفصام الشخصية الذي تعيشه الحكومة، فلم يعد مقبولاً التناقض الحاصل في التعاطي مع المحكمة الدولية، خاصة أن هذا التناقض يكبد خزينة الدولة ملايين الدولارات كل عام دون فائدة.
حين تمّ تشكيل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان كانت الظروف مختلفة، وكان فريق من اللبنانيين حريصاً على معرفة «حقيقة» من اغتال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه. بينما الواضح اليوم أن هذه الحقيقة باتت تشكل عبئاً على الجميع، ومن كان في السابق راغباً بالحقيقة، فقد بات اليوم يفضل دفن رأسه بالرمال تجنباً لها.
أوّاب إبراهيم