العدد 1331 / 3-10-2018
أواب إبراهيم

شمّر وزير الخارجية اللبنانية جبران باسيل عن ساعديه وساقيه، ونزل إلى الميدان في عدد من مناطق الضاحية الجنوبية. حرص الوزير على أن يصطحب معه عدداً من السفراء ووسائل الإعلام المحلية والعالمية، ليدحض ادعاءات رئيس وزراء العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول وجود مصانع لحزب الله حددها على خريطة عرضها في الجمعية العام للأمم المتحدة. باسيل أكد عقب انتهاء جولته أن لبنان هو بلد التعايش والحوار والسلام، وكاد يحمل بيده غصن زيتون.

البديهي الذي لا لبس فيه أن وزير الخارجية نظم جولته الميدانية الاستعراضية بالتنسيق مع حزب الله. فهو لم يكن ليفعل ذلك لو لم يكن متأكداً بأن المناطق التي ستتم زيارتها لاتحوي أي مصانع أو مخازن لصواريخ الحزب. لكن البديهي الذي لالبس فيه كذلك، هو أن لدى حزب الله آلاف الصواريخ يحتفظ بها ويقوم بتطويرها في أماكن كثيرة داخل لبنان وخارجه ، وهذا أمر لم يكن ينتظر جولة ميدانية للوزير، فالعدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006 جوبه من حزب الله بإطلاق مئات الصواريخ التي وصل مداها إلى حيفا وما بعد حيفا وما بعد بعد حيفا. كان هذا قبل اثني عشر عاماً، راكم خلالها حزب الله آلاف الصواريخ الجديدة وطورها، وهو ما أشار إليه أمين عام حزب الله مؤخراً بأن حزبه بات يمتلك صواريخ دقيقة تصل الى تل أبيب. وبالتالي كانت جولة الوزير لزوم ما لايلزم، واقتصر تأثيرها –إضافة للاستعراض- على تكذيب الخرائط التي عرضها نتنياهو، الأمر الذي يلقي على عاتق الأخير مراجعة خرائطه والتدقيق فيها، وهو ما أكدت عليه تصريحات لرئيس الجمهورية خلال استقباله وفوداً شدد فيها على جهوزية لبنان في مواجهة أي اعتداء إسرائيلي. لكن فخامة الرئيس لم يحدد الجهة المعنية بالجهوزية ، فهل هي مرتبطة بقدرات الجيش اللبناني أم أنه كان يقصد حزب الله.

بعيداً عن أزمات المنطقة التي تورط بها حزب الله، وعطل من خلالها مسيرته في مواجهة العدو الإسرائيلي، فإن أحداً لاينكر نجاح الحزب في ردع "إسرائيل" وكبح جماحها وصلفها، من خلال توازن الرعب الذي كرسه. فليس سراً ولا عيباً الإقرار بأن الدولة اللبنانية وجيشها ليس لديهم قدرة على صد الاعتداءاتالإسرائيلية على لبنان، وأن المواجهة مع "إسرائيل" يتصدر لها حزب الله برغبة وتأييد بعض اللبنانيين ورغماً عن بعضهم الآخر. هذا الواقع،يحتم على الدولة اللبنانية ومؤسساتها والمسؤولين فيها أن تطرح خطاباً مقنعاً للعالم فيما يتعلق بالصراع مع "إسرائيل". والأجدى هو أن لا تتحدث بأي كلام مرتبط بهذا الصراع، طالما أنه لا ناقة للدولة بهذا الصراع ولا جمل، وإلا فإنها ستقع في تناقضات لن تستطيع إخراج نفسها منها.

الجميع يدرك أن الجهوزية في مواجهة "إسرائيل" التي تحدث عنها رئيس الجمهورية، لاتتعلق بجهوزية الدولة التي يرأسها، بل بجهوزية حزب الله. فالدولة اللبنانية وقواها العسكرية لم تكن يوماً جاهزة لمواجهة "إسرائيل"، وهي لطالما استندت في جهوزيتها على أطراف أخرى. مرة كانت الجهوزية تقع على عاتق المنظمات الفلسطينية، ومرة أخرى على عاتق الأحزاب والقوى الإسلامية واليسارية، ومنذ فرض النظام السوري وصايته على لبنان، انحصرت الجهوزية بحزب الله. لذلك ليس من المناسب لرئيس الجمهورية أن يتغنى بقدرات تقع خارج سلطة الدولة، وهي أساساً تشكل خلافاً عمودياً بين اللبنانيين.

ربما من المناسب أن يهمس أحد في أذن فخامة الرئيس وأذن صهره وزير الخارجية أن يلتزما سياسة النأي بالنفس، ليس فقط تجاه ما يجري في سوريا، بل أيضاً تجاه المواجهة مع "إسرائيل"، طالما أن ذروة الإنجاز الذي يمكن أن تقوم به الدولة هو تنظيم جولة ميدانية تحاول خلالها نفي وجود صواريخ، يعرف القاصي والداني أن آلافاً منها موزعة فوق الأراضي اللبنانية وتحتها.

أوّاب إبراهيم