العدد 1400 / 12-2-2020

نالت حكومة الرئيس حسان دياب ثقة المجلس النيابي، ونالت معها شرعيتها الكاملة التي لم يعد لأحد التشكيك بها، سواء من قبل السياسيين الذين أخرجوا أنفسهم منها، أو من الثوار المنتفضين في الشارع، الذين خيبت الحكومة ورئيسها آمالهم وتوقعاتهم. فهم حلموا وعملوا لاقتلاع طبقة سياسية احترفت السرقة والفساد والهدر ونهب مقدرات الدولة، لكنهم اصطدموا بجدار صلب اسمه الواقع الذي لم يأت على قدر آمالهم وأحلامهم، رغم أن هذه الأحلام لم تتجاوز عيشاً كريماً، وسلطة نزيهة. لكن يبدو أن هذه الأحلام رغم بديهيتها في الكثير من أقطار الأرض، لكنها في لبنان ستبقى أحلاماً حتى إشعار آخر.

نيل حكومة دياب ثقة المجلس النيابي تضعها في مواجهة اللبنانيين، بعدما تخاذلت الحكومة السابقة عن تحمل المسؤولية وقدمت استقالتها هرباً منها، ووصل خذلانها حد التخلّي عن القيام بواجبها كحكومة تصريف الأعمال تاركة اللبنانيين تتقاذفهم الأزمات الأمنية والاقتصادية والنقدية. اليوم لم يعد أمام الحكومة أي ذريعة لتبرير الفوضى السائدة، لم يعد هناك ذريعة تحول دون قوننة الفوضى النقدية السائدة منذ 17 تشرين الأول الماضي. فلن يكون مقبولاً بعد اليوم أن تمتنع المصارف عن دفع أموال المودعين، ولن يكون مقبولاً أن يتم منع تحويل الأموال للخارج، ولن يكون مقبولاً الاستنسابية في التعامل مع المودعين، دون سند قانوني. واستتباعاً لذلك، ليس مقبولاً تراخي الحكومة في كشف رؤوس الأموال التي تم تهريبها خارج لبنان من رجال الأعمال ومصرفيين وسياسيين، مما ساهم بتعميق الأزمة.

لن يكون مقبولاً الاستمرار في حالة النكران التي تمارسها السلطة ومصرف لبنان تجاه سعر صرف الليرة. فإما أن يتم الإقرار بخروج سعر صرف الليرة عن السيطرة، وبالتالي تتعامل المصارف ومؤسسات الدولة بالسعر الحقيقي للصرف، وإما أن تقوم السلطة بإعادة تثبيت سعر الصرف كما كان قبل 17 تشرين. المهم هو الخروج من نفق الكذب والخداع الذي يعاني منها اللبنانيون، في المصرف سعر للصرف، وخارج المصرف سعر يزيد بقرابة 30 بالمئة، فيتكبد المواطن الفارق بين السعرين.

على حكومة دياب أن تقدم للبنانيين أدلة وبراهين بسعيها لمحاربة الفساد، ويكون ذلك بطَرْق باب المحميات السياسية والطائفية والحزبية التي كان محظوراً الاقتراب منها والمساس بها. على حكومة دياب أن تثبت للبنانيين تكنوقراطيتها واستقلالية قراراها بعيداً عن توجهات القوى والأحزاب التي سمّت وزراءها، ولا يكون ذلك إلا بخطوات تؤكد هذا الاتجاه بعيداً عن الكلام.

إلى جانب العمل وعدم تضييع الوقت بالأقوال، فإن على حكومة دياب أن تهتم قليلاً بصورتها التي سيحرص كثيرون على تشويهها. فإذا قامت بإنجاز يجب أن يعرف به اللبنانيون، وإذا حققت هدفاً من أهدافها يجب أن يدرك اللبنانيون ذلك، وإذا نجحت باقتلاع بؤرة من بؤر الفساد على اللبنانيين أن يفرحوا بذلك. فالحريصون على إفشال الحكومة كثر وبعضهم من داخلها، والمتربصون بالحكومة أكثر في الداخل والخارج. لذلك على الحكومة ورئيسها وأعضائها أن يولوا جانباً من اهتمامهم لإبراز إنجازاتهم، وعدم الاكتفاء بالعمل بصمت. فهذه صفة تصلح لموظفين إداريين في مؤسسة عامة، وليس لحكومة يسعى كثيرون لإفشالها وتشويه عملها.

بعد نيل حكومة دياب الثقة، ما هو مطلوب منها كثير، لكن هناك أمور مطلوبة من المواطنين الغاضبين الثائرين المنتفضين. عليهم أولاً أن يحافظوا على المكتسبات التي حققوها في ثورتهم والتي يمكن البناء عليها في المستقبل، عليهم الاستمرار في كسر جدار المحرمات والأصنام التي نجحت السلطة ببنائها طوال عقود في عقولهم. على الناس أن يدركوا بأن الشارع سيبقى متاحاً لهم للتعبير عما يريدون، بانتظار محطات أخرى كالانتخابات النيابية. عليهم أن يستمروا بإيمانهم أنه لا مقدسات ولا خطوط حمر إزاء الفساد والسرقات والهدر. السارق يجب أن يقال له سارق أياً كان، والفاسد سيقال لو فاسد وله أحيط بهالة من القداسة، والمجرم يجب أن يقال له مجرم ولو كان بعض اللبنانيين يقسمون بحياته.

على اللبنانيين أن يدركوا أن السلطة التي تحكمهم ليست قدراً، وإذا تعذر عليهم هذه المرة الإطاحة بها أو تغييرها، فربما يحالفهم النجاح في مرات قادمة، سواء من خلال التحركات في الشارع أو من خلال صناديق الاقتراع.

أوّاب إبراهيم