أواب إبراهيم

من إيجابيات القانون الذي ستُجرى على أساسه الانتخابات النيابية المقبلة، أن المصلحة فيها واضحة ومكشوفة ولا حاجة لمداراتها ومحاولة إخفائها بشعارات برّاقة. فجميع الأطراف التي تعتزم خوض الانتخابات حريصة –على رأس السطح- على الفوز بأكبر عدد ممكن من المقاعد النيابية مهما يتطلب ذلك. ولتحقيق هذا الهدف، يجري كل طرف حساباته ويصوغ تحالفاته الانتخابية. فإذا كان تحقيق الفوز يتطلب خوضها دون أي تحالف فليكن ذلك، ولو كان جميع المرشحين الآخرين هم من الحلفاء والأصدقاء. وإذا كان الفوز يتطلب التحالف مع الأصدقاء الذين يتفقون مع التوجه السياسي نفسه، فليكن ذلك. أما إذا كان التحالف مع الأصدقاء لن يحقق هذا الهدف، والفوز المنشود بالمقاعد النيابية يتطلب التخلي عن الأصدقاء والحلفاء والتحالف مع الخصوم، أيضاً لا بأس بذلك، فيجتمع المتخاصمون في لائحة واحدة في مواجهة حلفائهم (السابقين) ويخوضون معركة «كسر عظم» انتخابية لإسقاطهم وإلحاق الهزيمة بهم. أما بعد الانتخابات، ففي الوقت متّسع للاعتذار والتسامح وإعادة ترتيب الأوراق التي خلطتها المعركة الانتخابية.
حزب الله وحركة أمل هما الطرفان السياسيان الوحيدان اللذان حسما أمرهما مبكراً، في إعلان التحالف بينهما في الانتخابات، وتم إبلاغ من يعنيهم الأمر أن التحالف بينهما مقدّم على كل التحالفات الأخرى. صحيح أن الحزب والحركة متوافقان في الموقف والتوجه، لكن تكريس تحالفهما الانتخابي لا يعود لذلك فقط. فحزب الله مازال متمسكاً بخيار تحصين جبهته الداخلية (الشيعية)، وهو لا يريد لخصومه الذين يواجههم على أكثر من جبهة أن يتسللوا إلى بيئته الداخلية. فنجاح أي مرشح من خارج إطار حزب الله وحركة أمل يعتبره الحزب اختراقاً خطيراً لبيئته الداخلية ومَن يطلق عليهم اسم «شيعة السفارة». فطوال العقود الماضية فاخر حزب الله بجمهور أشرف الناس وأطهر الناس، الذين يلتفون حوله ويؤيدونه ويفدونه بأرواحهم.
ورغم الطابع الديمقراطي الذي يظهره حزب الله في أكثر من مناسبة، إلا أنه كان حريصاً على سحق وطمس أي محاولة من أي طرف «شيعي» لإبراز تمايزه واختلافه عن حزب الله، رغم إدراك الحزب قبل غيره أن شريحة لابأس بها من الشيعة تختلف معه ولا تؤيده ولا تمشي بركبه، لكن من غير المسموح به لهؤلاء أن يتم تمثيلهم، ومحظور لصوتهم أن يُسمع. لذلك أراد حزب الله من خلال تمتين حلفه مع حركة أمل ورئيسها نبيه بري إجهاض كل محاولات نجاح مرشحين من خارج صفوف الطرفين، وإفشال كل محاولة لجمع الحاصل الانتخابي.
على الضفة الأخرى من التحالف، الرئيس نبيه بري يشاطر حرص حزب الله عدم السماح بحصول أي اختراق داخل البيئة الشيعية لكسر احتكار الثنائية، لكنه إضافة لذلك، فإن بري يدرك أن معركة أخرى ستكون بانتظاره بعد جلاء غبار الانتخابات، وهي معركة رئاسة مجلس النواب، التي همس رئيس الجمهورية وفريقه السياسي في أكثر من مناسبة أنهم سيعملون لإحداث تغيير فيها، ووضع نهاية للماراتون الطويل الذي قضاه بري على رأس السلطة التشريعية متحكماً بفتح وإغلاق باب مجلس النواب. لذلك، يعتبر الرئيس بري أن الحفاظ على متانة تحالفه مع حزب الله سيكون سداً منيعاً أمام أي مسعى قد يقوم به رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر لإزاحته من عين التينة، وبالتالي خسارة  كرسيّه من ترويكا الحكم، وهو أمر يتفق معه حزب الله.
بعد إعلان نتائج الانتخابات، تدخل الملعب السياسي تشكيلة جديدة من الوجوه، تفرض معها صورة جديدة لموازين القوى. ويتم التعامل مع كل طرف بناء على عدد المقاعد النيابية التي حصدها، سواء حصل ذلك بخوض الانتخابات منفرداً، أو بتحالف مع أصدقاء وحلفاء، أو من خلال تحالف انتخابي مع خصوم.. فالشاطر بشطارته، وما بعد الانتخابات سيختلف عما قبلها، حيث تتم إعادة ترتيب التحالفات بناء على موازين القوى الجديد، ومن كان في السلطة ربما يصبح خارجها، ومن كان يملك كتلة نيابية كبيرة ربما لا تعود كتلته كذلك بعد الانتخابات، فيُعطى كل طرف حجمه الجديد، وقطعة الجبنة التي تناسبه من مكاسب السلطة.